مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فلم يبق منى الشوق غير تفكرى

صفحة 394 - الجزء 1

  المقام فى الباقى مقام الرعاية، وكان عدم الرعاية خروجا عما يناسب المقام الذى أورد فيه ذلك البعض بعد إيراده، وعلى هذا يكون المراد بالمقام ما هو أعم من مقام مراعاة صفة الكلام، ومقام اقتضاء إيراده تأمل.

  وقيل إن الحذف هنا لترك مواجهة النبى بإيقاع لفظ القلى على ضميره، ولو كان منفيا واستبعد من جهة إيقاع ودع على ضميره، والحق أن لفظ ودع ليس كلفظ قلى فتدبر.

  (وإما لاستهجان) أى استقباح (ذكره) أى: ذكر المفعول (كقول) السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فما رأيت منه ولا رأى منى)⁣(⁣١) أى: ما رأيت منه (العورة) ولا رآها منى، ولا يخفى استثقال المتمشدق بذكر العورة، والاستهجان هنا، فلو مثل بغيره كان أحسن. على أنه يجوز أن يراد: ما رأيت منه شيئا من الجسد المستور، ولا رآه منى؛ مبالغة فى الاحتشام المانع من ملاحظة جهة كل منهما من الآخر صلّى الله وسلم على نبينا، ورضى عن سيدتنا عائشة. وقيل: يحتمل أن يكون حذف المفعول هنا للمبالغة فى التستر اللفظى موافقة للتستر الحسى، وهذا غير الاستهجان قطعا؛ لأن الشيء قد يناسبه الستر من غير أن يكون فى ذكره استهجان (وإما لنكتة أخرى) أى: الحذف للمفعول إما لما تقدم، وإما لنكتة أخرى غير ذلك كإخفائه على السامعين خوفا عليه، أو منه كما يقال: الأمير يحب ويبغض عند قيام قرينة عند المخاطب دون بعض السامعين على أن المراد يحبنى ويبغض ذلك الحاضر، فيقوله المتكلم خوفا على نفسه أن يؤذى حينئذ على نسبة محبة الأمير إليه، أو خوفا من السامعين أن يؤذى منهم بنسبة بغض الأمير إليهم، وكالتمكن من إنكاره إن مست الحاجة إلى الإنكار، كما يقال لعن الله وأخزى ويراد (زيد) عند قيام القرينة عليه؛ ليمكن الإنكار للمتكلم إن نسب إليه لعن زيد، وطولب بموجبه؛ لأن الإنكار مع القرينة المجردة أمكن من الإنكار عند التصريح، وكتعينه كما يقال نحمد ونشكر أى: الله تعالى لتعين أنه هو المحمود أو ادعاء


(١) قولها: «كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد» مخرج فى الصحيحين، وأما قولها: «فما رأيت منه ولا أرى منى» فى سنده كذاب وضاع كما قال الشيخ الألبانى فى «آداب الزفاف» (٣٤)، ومع كونه لا يصح فإنه يخالف الصحيح الذى قبله.