فلم يبق منى الشوق غير تفكرى
  ما قبله لفظا (وكالمفعول الأول فى نحو) قولك (أعطيت زيدا درهما) فإن أصل زيدا - الذى هو المفعول الأول - التقديم؛ لأنه فاعل من جهه المعنى إذ هو عاط أى آخذ العطاء الذى هو الدرهم (أو لأن ذكره) أى: وتقديم بعض المعمولات، إما لأن أصل ذلك البعض التقديم، أو لأن ذكر ذلك البعض المقدم (أهم) كما لو كان تعلق الفعل به هو المقصود بالذات بغرض من الأغراض، فيقدم على الآخر (كقولك قتل الخارجى فلان) فإن العلم بتعلق القتل بالخارجى هو المقصود بالذات؛ ليستريح الناس من أذاه دون العلم بتعلقه بالقائل، ولو كان فاعلا فيكون ذكره معه أولا أهم، وقد جعل المصنف الأهمية فيما تقدم شاملة للأصل، وجعلها هنا مقابلة له، وكأنه قصد بها - ههنا - الأهمية العارضة؛ لغرض من الأغراض كما فى المثال لا مطلقها الشاملة للأصل، ولكن هذا يعكر عليه عطفه قوله بعد (أو لأن فى التأخير إلخ) فإن فيه الأهمية العارضة فيكون من عطف الخاص على العام بأو، وهو ممنوع اللهم إلا أن يتكلف عطفه على قوله، إما لأنه الأصل، ومع ذلك لا يخلو الكلام من تداخل باعتبار الاهتمام.
  والمعنى الأول وهو شمول الأهمية للأصل، كما بين المصنف فيما تقدم هو الموافق لصاحب المفتاح، ولكلام الشيخ فى دلائل الإعجاز حيث قال: (إنا لم نجدهم اعتبروا فى التقديم شيئا يجرى مجرى الأصل) أى: القاعدة الكلية الشاملة لجميع صور التقديم غير العناية والاهتمام، لكن ينبغى أن يفسر وجه العناية بشيء، ويعرف له معنى، وقد ظن كثير من الناس أنه يكفى أن يقال قدم للعناية، ولكونه أهم من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية وبم كان أهم فقوله (شيئا يجرى مجرى الأصل) غير العناية والاهتمام ظاهر فى عموم الأهمية بصورة الأصل؛ لأنه يقتضى أنه لا تخلو صورة من صور التقديم وسبب من أسبابه عن الاهتمام حتى يكون الشيء أصلا، إذ لم يختص كلامه بالأهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم والسامع بشأن المقدم واهتمامها بحاله؛ لغرض من الأغراض مع كون خلافه هو الأصل (أو لأن فى التأخير) أى: يقدم بعض المعمولات على بعض إما لأن أصله التقديم، أو لأن فى تأخير ذلك المفعول المقدم (إخلالا ببيان المعنى) المراد؛ لأن فى ذلك التأخير إيهام معنى آخر غير مراد فيقدم احترازا