طريقة التقديم
  أعجمى الأصل أى: لا عربي فيقول ذلك القائل: ما أنا إلا أعجمى الأصل كما قلتم ولكن يجوز فى حكم الله تعالى أن يعلم العربية لمن يشاء من عباده فافهم.
  ثم أشار إلى مثال ما تضمنه قوله بخلاف الثالث يعنى: إنما كما تقدم لأنه يتضمن أن الأصل فى إنما أن تستعمل فيما من شأنه أن لا يجهله المخاطب فقال: (وكقولك) وهو عطف على قوله كقولك لصاحبك أى كما تقول: (إنما هو أخوك لمن يعلم ذلك) أى يعلم كون المخبر عنه أخاه (ويقربه) أى بكونه أخا له، (وأنت تريد) بما قلت (أن ترققه عليه) أى أن تحدث فى قلبه الشفقة والرقة عليه؛ لتذكره الأخوة المقتضية لذلك ولكن على هذا يكون الحصر لا للإنكار، بل لتنزيله منزلة المنكر لعدم عمله بموجب علمه بالأخوة فتذكر الأخوة له ولو كان عالما بها لعلة تحدث فيه الشفقة بسماعها؛ لأن الشيء قد يوجب بسماعه من الغير ما لا يوجبه بمجرد علمه فعلى هذا يكون المثال لا للإخراج على مقتضى الظاهر، بل على خلاف مقتضاه اللهم إلا أن يحمل قوله لمن يعلم ذلك أى: لمن يتنبه لعلم ذلك بعد جهله بأدنى تنبيه، ولذلك قيل: إن الأولى أن يكون هذا مثالا لخلاف مقتضى الظاهر، ولم يقل: والواجب أن يكون هذا مثالا إلخ لكن هذا الحمل بعيد لفظا ومعنى تأمل.
  (وقد ينزل) الحكم (المجهول) أى: الذى من شأنه أن ينكر ويجهل (منزلة) الحكم (المعلوم) أى: الذى من شأنه أن يعلم ولا ينكر، وإنما ينزل كذلك؛ (لادعاء ظهوره) أى: لادعاء المتكلم ظهوره وأن إنكاره ليس مما ينبغى، (ف) بسبب ذلك التنزيل (يستعمل له) الطريق (الثالث) من طرق القصر وهو إنما وذلك (نحو) قوله تعالى حكاية عن اليهود - لعنة الله عليهم - {إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ}(١) فقد استعملوا إنما فى إثباتهم الصلاح لأنفسهم، وهى إنما تستعمل فى الحكم الذى من شأنه أن لا ينكر، ولا يجهل لادعائهم ظهور صلاحهم، ففى استعمالهم إنما فى إثبات الصلاح لادعائهم ظهوره إشعار بأن نقيضه وهو فسادهم ظاهر الانتفاء حتى لا يحتاج فى نفيه إلى التأكيد بالنفى، والاستثناء فقد أنكروا الفساد الذى اتصفوا به مبالغين فى إنكاره حيث زعموا
(١) البقرة: ١١.