مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

استعمال الأمر للتمنى

صفحة 507 - الجزء 1

  الفعل، فيخاطب بالإذن ونفى الحرج، كما فى قوله تعالى: {وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا} والتسوية يخاطب بها من هو بصدد أن يتوهم أن أحد الطرفين المذكورين فى محلهما من الفعل ومقابله أرجح من الآخر وأنفع، فيرفع ذلك، ويسوى بينهما، والأقرب أن الصيغة فى التسوية إخبار دون الإباحة، وتحتمل إنشاء التسوية، وإخبار بالإباحة على بعد، والعلاقة بينهما وبين الأمر نسبة المضادة؛ لأن التسوية بين الفعل والترك وإباحة كل منهما يضاد إيجاب أحدهما، وتزيد الإباحة بعلاقة مطلق الإذن.

استعمال الأمر للتمنى

  (و) ك (التمنى) أى: طلب محبوب لا طماعية فيه، والأمر طلب على وجه الاستعلاء، ولاختلافهما كانت الصيغة مجازا فى التمنى على ما مر عليه فيما استظهره - كما تقدم، والعلاقة بينهما واضحة بناء على جواز التجوز بطلب فى آخر وذلك (نحو) قول امرئ القيس:

  (ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى) ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل⁣(⁣١)

  المراد بالانجلاء: الانكشاف وبالإصباح: ظهور ضوء الصباح، فكأنه يقول: انكشف أيها الليل الطويل طولا لا يرجى معه الانكشاف، ولذلك صار الأمر بالانجلاء تمنيا، وإرادة الطول الذى لا ينته فى الليل عند المحبين مشهور معلوم، ولهذا قال الشاعر.

وليل المحب بلا آخر

  ولما ظهر أن ليس المراد أمر الليل بالانكشاف إذ ليس مما يؤمر ويخاطب بذلك، حمل على التمنى، ليناسب حال التشكى من الأحزان والهموم وشدتها إذ لا يناسبها إلا عدم الطماعية فى انجلائه؛ لأنها لكثرتها ولزومها الليل بعد الليل معها مما لا يزول، وإنما قلنا كذلك لما جرت به العادة، أن من وقع فى ورطة وشدة يتسارع إلى نفسه اليأس،


(١) البيت من الطويل لامرئ القيس في ديوانه ص ١٨، والأزهية ص ٢٧١، وخزانة الأدب ٢/ ٣٢٦، ٣٢٧، وأورده محمد بن على الجرجاني في الإشارات ص ١١٧.