تعريف علم البيان
  فإن لم يعلم ببعض المرادفات من الألفاظ لم يحصل من ذلك البعض فهم أصلا فلا يتصور الخفاء والوضوح فى الفهم الذى هو الدلالة لانتفائه رأسا، وإنما قال لم يكن كل واحد دالا، ولم يقل لم يدل شيء منها أصلا؛ لأن المراد بعلم السامع بوضع الألفاظ علمه بوضع جميعها كما تقدم؛ لأنه لا يفهم المعنى المراد بتمامه إلا بفهم الجميع واللازم المحقق عن نفى دلالة كل واحد هو نفى دلالة الكل الصادق بنفى دلالة البعض، وكل لفظ انتفت دلالته انتفى عنه الخفاء والوضوح، وكل لفظ ثبتت دلالته انتفى عنه الخفاء والوضوح أيضا، فالغرض حاصل بتقدير العموم فى الإثبات ومقابلته بما يصدق من النفى بالعموم أو الجزئية، وأيضا لو قوبل بعموم السلب لم يحصل تناقض بين الإثبات العام الذى أراده أولا، وبين النفى المقابل له فى قوله: وإلا فيتوهم أن الغرض لا يحصل وهو انتفاء الخفاء والوضوح فى الوضعية إلا إذا لم يعلم شيئا من وضع الألفاظ أو علم جميعها، وليس كذلك لما أشرنا إليه من أن كل لفظ ثبت علم وضعه، فلا خفاء فيه ولا وضوح، وكذلك ما لم يثبت، وورد على كون الدلالة الوضعية لا يتصور فيها الخفاء والوضوح أنا نجد فى أنفسنا ألفاظا محفوظة لدينا فى خزانة الخيال معلومة الوضع جميعا، ومع ذلك يحضر لنا معنى بعضها بنفس الالتفات إلى معناه لكثرة ممارسة لمعناه أو لقرب العهد باستعماله فى معناه أو لقرب العهد بعلم وضعه، وبعضها لا يحضر معناه إلا بعد التوقف ومراجعات الإحضار مرة بعد أخرى لطول العهد بعلم وضعه وعدم ممارسة استعماله فى معناه، فقد تحقق الخفاء والوضوح فى دلالة المطابقة مع العلم بالوضع، والدليل على العلم بالوضع فى الكل أنها لا تحتاج فى دلالتها إلى تفسير، بل إلى تأمل وتوقف، وأجيب بأن التوقف والمراجعة لطلب تذكر الوضع المنسى لا لخفاء الدلالة بعد العلم بالوضع بدليل أنا بنفس ما نتذكر الوضع نعلم المعنى من غير توقف، وورد أيضا على ذلك أن التركيب الذى فيه التعقيد اللفظى لا يفهم معناه إلا بعد التأمل بعد العلم بجميع الألفاظ وضعا، فقد تصور الخفاء والوضوح فى الألفاظ الوضعية بعد العلم بوضعها من غير طلب تذكر الوضع المنسى، وأجيب بأن الهيئة مختلفة والكلام عند اتفاق الهيئة؛ لأن لها دخلا فى الفهم الوضعى، كما أشرنا إليه فيما تقدم، وورد أيضا