مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف علم البيان

صفحة 83 - الجزء 2

  أقرب من دلالته على جزء الجزء أن لفظ الكل كالإنسان مثلا إذا سمع وتوجه العقل إلى فهم المراد منه، فأول ما يفهم منه الأجزاء الأصلية، ومنها الجسمية، ثم ينتقل إلى ما يجمع الجسمية مع سائر الأجزاء الأصلية، وهو ما تكون الجسمية جزءا له، الذى هو الحيوانية، إلى ما يجمع تلك الحيوانية مع غيرها، وهو ما تكون الحيوانية جزءا له، وهو الإنسانية، وإنما قلنا كذلك؛ لأنه إذا طلب فهم مدلول اللفظ وكان كلا وجب فهم أجزائه أولا؛ لأن فهم الجزء سابق على فهم الكل، فعلى هذا تكون دلالة لفظ الإنسان على الجسمية التى هى جزء الجزء أقرب من دلالته على الحيوانية التى هى جزؤه؛ لأنها كل، وفهم الجزء سابق على فهم الكل. وأجيب بأن الأمر عند قصدهم ما يراد من اللفظ كذلك، لكن مقصود أهل الفن من دلالة التضمن أن يفهم الجزء على حدة، ويلتفت إليه بخصوصه بعد فهم الكل لا فهمه فى ضمن الكل الذى يقتضيه كون الجزء سابقا على فهم الكل، وإنما قلنا يقتضيه؛ لأن إدراك الموضوع له أولا متوقف على تصور جميع أجزائه قبل تعريفه، فإذا خوطب العارف بالوضع والفرض أنه سبق فهم جميع أجزاء الموضوع له فهم المجموع دفعة واحدة، وفى ضمن ذلك فهم كل جزء، والدليل على أنهم قصدوا أن يفهم الجزء بعد الكل بأن يلتفت إليه على حدة أنهم قالوا: دلالة التضمن تترتب على المطابقة، وتنبنى عليها بأن ينتقل من المفهوم مطابقة إلى جزء من أجزائه، وهذا لا يمكن إلا بما ذكر، كما لا يخفى، وغاية ما يعرض أن يقال: كيف يفهم الجزء ثانيا، وقد فهم أولا فى ضمن الكل، وأى ثمرة فى ذلك، وأى انتقال هنالك.

  ويجاب بأن هذا الاعتبار يظهر عند قصد إحضار الجزء على حدة لغرض من الأغراض، فإن فهم الشيء على حدة خلاف فهمه مع الغير، لا سيما وحضور الكل دون أجزائه ممكن، كما نص عليه فى الشفاء، وأنه يجوز أن يحضر النوع دون الجنس الذى هو جزؤه، فيفتقر إلى الالتفات إليه فتظهر فائدة دلالة التضمن الكائنة بهذا الاعتبار.

  وهكذا قررنا هذا المحل وبسطناه بهذا الإطناب ليتضح على عادتنا فى بسط مسائل الشرح والكتاب، ويلزم عليه أن دلالة التضمن لا تلزم فى الألفاظ الموضوعة للمركبات ضرورة عدم لزوم الالتفات إلى جزء من الأجزاء على حدة لصحة الغفلة عن