مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

طرفا التشبيه عقليان

صفحة 99 - الجزء 2

  العلم العقلى هو العلم الحسى غالبا، ولهذا يقال: من فاته حس فإنه علم، ويعنى علم ذلك الحس الفائت، اللهم إلا أن يكون من عكس التشبيه مبالغة، كما سيأتى، بأن يجعل الأصل فرعا، والفرع أصلا بادعاء أن الفرع أقوى مبالغة والأصل أضعف، وهذا المعنى موجود فى التشبيه كثيرا، كما فى قوله فيما يأتى:

  وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح⁣(⁣١)

  فإن وجه الخليفة أضعف فى نفس الأمر فى الضياء من الصباح، ولكن جعل أقوى ادعاء مبالغة فى مدحه، فجعل مشبها به.

  قيل: ولقائل أن يقول: لا شك أن الإدراك العقلى مستند للإدراك الحسى فى غالب الأمر، ولكن لا يلزم من ذلك كون المحسوس أقوى أبدا فى وجه الشبه، وأشهر به، وإنما يكون كذلك حيث يكون الوجه أصله الحسى، ونحن نجوز أن يكون أصله العقلى فيكون العقلى به أشهر وأظهر، فتشبيه العطر بالخلق مثلا فى استطابة النفس يكون من عكس التشبيه كما قيل لأن استطابة النفس للمشموم المحسوس أقرب من استطابة المعقول؛ وإنما نثبت له الاستطابة من طريق التوهم والقياس على الحس، وإنما تشبيهه به فى الشرف عند العقول وفى الارتفاع والتلذذ الروحانى فالخلق به أظهر وعلى هذا فلا حاجة إلى جعل تشبيه الحسى بالعقلى من عكس التشبيه دائما، وهو ظاهر، ولما جعل المشبهين محصورين فى العقلى والحسى حيث لم يذكر غيرهما أراد أن يبين أن ما يدرك بغير القوة العاقلة وبغير الحواس الخمس داخل فيهما كالخياليات والوهميات والوجدانيات، ويأتى الآن - إن شاء الله تعالى - بيان المراد بالخيالى والوهمى هنا لئلا يتوهم عدم الحصر فى التقسيم، وأن يبين أن هذه لم تجعل أقساما على حدة، بل أدخلت فى العقلى والحسى؛ تقليلا للتقسيم، وتسهيلا للضبط، فقال:


(١) البيت لمحمد بن وهيب فى الإشارات ص (١٩١)، والطيى فى شرح المشكاة (١/ ١٠٨) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي.