المراد بالعقلي
  قولنا كاللذة الحاصلة للنفس وجه كونها باطنية، ولو كانت أسبابها حسية فالذوق مثلا إنما يدرك به حلاوة الحلو، وليست الحلاوة نفس اللذة، بل هى معنى حصل عن إدراك الحلاوة فى قوة باطنية نفسانية، وقد تكون اللذة وهمية كما يوجد من استطابة صورة المرجو عند توهم الاتصاف به، وعلى هذا لا يقال: الحسية كسائر المحسوسات، فما معنى كونها وجدانية باطنية؛ لأنا نقول معناها قائم بالنفس، ولو كان سببه الحس، وأيضا حيث فسرت اللذة والألم بالإدراك فليسا مما يدرك بالحواس، ثم وجود القوى الباطنية إنما هو عند الحكماء، وأما المتكلمون من أهل السنة فالنفس هى المدركة بالقوة الواحدة، وهى العقل إما بواسطة حس ظاهرى أو باطنى ناشئ عن ظاهرى أو لا، ويسمى وجدانا، أو بدون واسطة أصلا وليس ثم قوة زائدة على الإحساس، فالغضب مثلا عندهم معنى قائم بالإنسان يوجب إرادة الانتقام لو لا المانع يدركه الإنسان من نفسه بالعقل بعد الإحساس الباطنى، ولا يفتقر فيه إلى قوة أخرى، وهكذا سائر الوجدانيات، ويمكن حمل القوى فى كلام الحكماء على الإحساس الباطنى، أعنى اتصاف محل تلك المعانى بها، فيتفق المذهبان، وتفسير اللذة بما ذكر تبعا لهم لا يوجب كون ذلك معناها الحقيقى، وكذا الألم فإن إذا راجعنا وجداننا كدنا أن نجزم بأن اللذة لازمة لذلك الإدراك وذلك النيل، وهى معنى آخر يوجد بالضرورة عند ذلك النيل وذلك الإدراك، ويعسر التعبير عن كنهه، فإدراكه ضرورى عند الوجدان، وتحقيق كنهه يمكن ادعاء صعوبته، وكذا الألم، وهذا فى لذة المذوق مثلا ظاهر إذا أريد إدراك النفس طيب الملتذ به أو قبح ضده، وأما إذا أريد نفس المدرك عند اتصال الذائقة به وكثيرا ما تطلق اللذة على ذلك فيقال: وجد لذة المأكول اللسان والتذ به لسانى أو تألم بكذا لسانى، فالأقرب أنها حينئذ حسية محضة لا وجدانية لعود معناها حينئذ إلى نفس الحلاوة أو المرارة، بل إن بنينا على أن القوى الباطنية المسماة بالوجدان لا تدرك إلا المحسوس بواسطة تكيفها بما أدرك الحس، وإلا الأمور القائمة بها نقول: اللذة ليست من هذا المعنى لعدم إدراكها بالحواس وعدم قيامها بتلك القوى إلا أن يراد بالوجدان ما يتعلق بالنفس مطلقا، وهو ظاهر ما تقدم، تأمل.