مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

وجه التشبيه

صفحة 112 - الجزء 2

  (النبات الشديد الخضرة) حتى مال بشدة اخضراره إلى السواد، وقد اشترك التشبيهان فى كون الوجه محققا فيهما فى الطرفين، لكن وجه الشبه فى التشبيه الأول - أعنى تشبيه النجوم بين الدجى بالشعر الأبيض فى الأسود - الهيئة الحاصلة من حصول أشياء بيض فى جنب شيء أسود، والوجه فى الثانى - أعنى تشبيهها بالأنوار - فيه مخالفة ما لذلك؛ إذ الأنوار لا يشترط بياضها، فهو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء متلونة بلون مخالف للون ما حصلت فى جانبه مما فيه إظلام ما، وذلك ظاهر، فتحقق بما قرر أن تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع صحيح - كما بينا - لوجود وجه الشبه فى الطرفين، وإن كان فى السنن بين الابتداع؛ إنما هو بطريق التأويل وتخييل أن ما ليس بمتلون متلونا ببياض فى إظلام على ما قررناه فيما تقدم، فإذا قيل: النجوم فى الدجى كالسنن فى الابتداع صح أن يقال فى تفسير الوجه فى كون كل منهما شيئا ذا بياض بين أجزاء شيء ذى سواد، وإن كان فى الثانى تخييلا، وتحقق أيضا أن قوله: سنن لاح بينهن ابتداع فيه قلب كما قررنا فيما تقدم، وأشرنا إلى الاعتذار عنه، وأن الأصل سنن لحن بين الابتداع، ف (إذا) حقق وجوب اشتراك الطرفين فى الوجه، وأنه لا بد من وجوده فيهما تحقيقا أو تخييلا (علم) أن التشبيه إذا اعتبر فيه وجه لم يوجد فى الطرفين تحقيقا ولا تخييلا، فذلك الاعتبار فاسد، فعلم بذلك (فساد جعله) أى: جعل وجه الشبه (فى قول القائل: النحو فى الكلام كالملح فى الطعام كون القليل)، أى: جعل وجه الشبه فى ذلك كون القليل من كل من النحو والملح (مصلحا) لما وجد فيه، وهو الكلام فى الأول والطعام فى الثانى، (والكثير) منهما (مفسدا) لما وجد فيه، وإنما فسد جعل الوجه بين النحو والملح ما ذكر لعدم وجود الوجه المذكور فى النحو، وهو المشبه، فلم يشترك الطرفان فى الوجه؛ وإنما قلنا: لم يوجد ذلك الوجه فى المشبه الذى هو النحو (لأن النحو لا يحتمل) أى: لا يقبل (القلة والكثرة) فيما يعتبر فيه من الكلام، وإن قبلها فى نفسه بكثرة جزئياته، لكن لا غرض لنا فى كثرة جزئياته، وإنما الغرض ما يستعمل منه، ويراعى فى الكلام وهو الذى اعتبر فى التشبيه، وبذلك الاعتبار لا تعدد له حتى يحتمل القلة والكثرة، وبيان ذلك أن النحو قواعد معلومة، فكل كلام اعتبرته فيه، فإن راعيت