مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

طرفا المركب الحسى المركبان

صفحة 140 - الجزء 2

طرفا المركب الحسى المركبان

  (و) المركب الحسي (فيما) أي: الذي (طرفاه مركبان) هو (كما في) أي: كالوجه في (قول بشار: كأن مثار النقع)⁣(⁣١) النقع الغبار، ومثار على صيغة اسم المفعول، فإضافته إلى النقع من إضافة الصفة إلى الموصوف والأصل كأن النقع المثار، وهو من آثار الغبار إذا حركه وهيجه، ويحتمل أن يراعى في الإضافة معنى البيان أي: كأن المثار الذي هو النقع الكائن (فوق رءوسنا. وأسيافنا) منصوب على المعية أي: كأن مثار النقع مع أسيافنا قيل رواية فوق رءوسهم أولى؛ لأن السيوف إنما تتساقط وتنزل على رءوسهم فهي مع الغبار فوق رءوسهم لا على رءوس أصحاب السيوف المناسب لرواية رءوسنا، وفيه أن السيوف فيما بين الصعود والنزول هي من رءوس أصحابها إلى رءوس الأعداء، فالرءوس من الفريقين مشتركة في فوقية السيوف، وضمير نا يدل على المشاركة فرواية رءوسنا التي هي المشهورة أولى فليتأمل. (ليل تهاوى كواكبه) أي: تتساقط كواكبه شيئا فشيئا بأن يتبع بعضها بعضا في التساقط من غير انقطاع، ومن لازم ذلك بقاء الكواكب في السماء ليستمر تساقطها، فتهاوى مضارع حذفت منه إحدى التاءتين: تاء المضارعة أو التاء الموجودة في الماضي على المذهبين المقررين في النحو، وأما حمله على الماضي ليفيد أن التهاوي قد وقع وانقطع وبقى الليل بلا كواكب، فشبه به مثار النقع مع السيوف فلا يناسب ما وجد في الشبه من هيئة حركة السيوف، ويفوت بذلك دقة وجه الشبه التي يقتضيها اختلاف حركة السيوف كحركة الكواكب المستمرة، كما سيأتي بيانه. نعم يمكن أن يراد هذا الوجه أيضا لهذا المعنى بمراعاة حال التهاوي الفارغ، ولكن الدال على الحال بالأصالة هو المضارع فالحمل عليه أبين، وإنما قلنا إن أسيافنا منصوب على المعية ولم نجعله منصوبا بكأن لئلا يتوهم أنهما تشبيهان مستقلان؛ إذ يتوهم حينئذ التغاير، وأن المعنى كأن مثار النقع ليل، وكأن أسيافنا نجومه، وهذا لا يصح الحمل عليه؛ لأنه تفوت معه الدقة التركيبة المرعية للشاعر في وجه الشبه، ولأن قوله: «تهاوى كواكبه» تابع لليل فهو غير مستقل في


(١) البيت لبشار بن برد، ديوانه (١/ ٣١٨)، والمصباح (١٠٦)، ويروى (رؤوسهم) بدل (رؤوسنا)، تهاوى: تتساقط، خفف بحذف إحدى التائين.