مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أداة التشبيه

صفحة 164 - الجزء 2

  ويؤيد ذلك ما تقرر فى عرف الناس من أن المقدر كالمذكور، وإنما القسم الذى لا يوالى فيه الكاف مشبه به ما لم يقدر فيه ولا لفظ به نعم إن ذهب الزاعم إلى تخصيص الموالاة باللفظية صح كلامه؛ إذ لا حجر فى الاصطلاح، ولا يقال تقدير المثل هنا لا بد منه كما فى قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ}⁣(⁣١) أى: كمثل ذوى صيب، فإنهم قدروه به لأنا نقول: قد تقدم أن إعادة الضمائر هنالك أحوجت لتقدير لفظ ذوى، ولما فتح باب التقدير قدر المثل أيضا ليطابق قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً}⁣(⁣٢) ولو لا ذلك استغنى عن التقدير الذى عدمه هو الأصل فيرتكب ما أمكن، وههنا لم يفتح باب التقدير المرجوع عن عدمه فأبقى اللفظ على ظاهره لاستفادة المشبه به منه بلا تقدير، كما قررنا، فليفهم.

  (وقد يذكر فعل) غير الأفعال الموضوعة من أصلها للدلالة على التشبيه لاشتقاقها مما يدل عليه كالمشابهة والمماثلة كما تقدم (ينبئ) ذاك الفعل (عنه)، أى: عن التشبيه بأن يستعمل فيما يفيد فيه (كما)، أى: كالفعل (فى) قولك: (علمت زيدا أسدا)؛ وإنما يستعمل علمت لإفادة التشبيه (إن قرب) ذلك التشبيه بأن يكون وجه الشبه قريب الإدراك فيتحقق بأدنى التفات إليه؛ وذلك لأن العلم معناه التحقق، وذلك يناسب الأمور الظاهرة البعيدة عن الخفاء؛ فلذلك أفاد علمت حال تشبيه زيد بالأسد، وأنه على وجه قرب المشابهة، (و) كذا الفعل فى قولك: (حسبت) زيدا أسدا فإنه يستعمل لإفادة التشبيه بين زيد والأسد (أن بعد) ذلك التشبيه لبعد الوجه عن التحقق وخفائه عن الإدراك العلمى؛ وذلك لأن الحسبان ليس فيه إلا الرجحان والإدراك على وجه الاحتمال، ومن شأن البعيد عن الإدراك أن يكون إدراكه كذلك دون التحقق المشعر بالظهور وقرب الإدراك فأفاد حسبت حال التشبيه وأن فيه بعدا، والتشبيه الموجود فى نحو هذين التركيبين لم يظهر كونه من الفعلين كما هو ظاهر عبارة المصنف؛ لأن مدلول العلم والحسبان لا يشعر بالتشبيه أصلا فلو لا حمل الأسد على زيد


(١) البقرة: ١٩.

(٢) البقرة: ١٧.