مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أقسام التشبيه باعتبار طرفيه:

صفحة 185 - الجزء 2

  سننبه عليه عند إثباتنا بقوله تعالى: {هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ}⁣(⁣١) تمثيلا للمفردين بلا تقييد، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى فى التركيب (كتشبيه) أى: ومثال التشبيه فى المفردين غير المقيدين تشبيه (الخد بالورد) فى الحمرة، والحمرة وجه مفرد، وقد تقدم أن المفرد طرفاه مفردان؛ إذ لا يمكن تعلقه بمتعدد ما دام مفردا حقيقة، والخد والورد لا يخفى إفرادهما، ومن تشبيه المفرد بالمفرد بلا تقييد قوله تعالى: {هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ} أى: كاللباس لكم، «وأنتم لباس لهن» أى: كاللباس لهن، ووجه الشبه بين اللباس والرجل والمرأة أن كلا منهما يلاصق صاحبه ويشتمل عليه عند المعانقة والمضاجعة كما يلاصق اللباس صاحبه ويشتمل عليه، وقيل كون كل منهما يستر صاحبه بالتزوج عما يكره من الفواحش كما يستر الثوب العورة، وحيث اعتبر فى الوجه كونه اشتمالا أو سترا عما لا ينبغى استقل به اللباس؛ لأن كل لباس موصوف بكونه بحيث يشتمل ويستتر به من غير توقف على كونه للرجال ولا على كونه للنساء، فما أفاده المجرور وهو كونه للنساء أو للرجال لا يتوقف عليه الوجه، وما لا يتوقف عليه الوجه لا يعد فى التقييد ولا فى التركيب، إذ لا دخل فى التشبيه إلا لما يتوقف عليه، ويؤخذ باعتباره، فلهذا قلنا: إن هذا التشبيه من تشبيه المفرد بالمفرد بلا تقييد، ولم نعد المجرور فى الطرف الذى هو اللباس قيدا وهو لكم ولهن فليفهم.

  (أو) هما أعنى المفردين (مقيدان) بمجرور أو غيره مما يتعلق به وجه الشبه كما تقدم، وقد جعل المصنف المقيد من المفرد كما أشرنا إليه فيما تقدم، وذلك (كقولهم) فيمن لا يحصل من سعيه على طائل أى: على فائدة (هو كالراقم على الماء)، وقد تقدم بيان هذا المثال ووجه الشبه بينهما استواء وجود الفعل وعدمه فى عدم الفائدة، ولا شك أن هذا الوجه لا يستقل بأخذه مجرد معنى الراقم بدون نسبة رقمه إلى كونه على الماء، وكذا لا يمكن أخذه من مجرد الساعى ما لم يعتبر كونه لا يحصل من سعيه على طائل، فعدم حصوله على طائل من سعيه قيد فيه، وبقولنا: فى الوجه هو استواء الفعل وعدمه فى نفى الفائدة، يعلم أن ما تقدم من أن الوجه هو عدم الفائدة تسامح من


(١) البقرة: ١٨٧.