مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الرابع: تشبيه مركب بمفرد

صفحة 190 - الجزء 2

  فى كثير من الأمور بخلاف المعقولات الصرفة، ومن ثم قيل: إن الفرق بين المقيد والمركب أحوج شيء إلى التأمل، يعنى فى تفسيره والتعبير عنه وفى إدراكه وأخذ حقيقته من كلام البلغاء مع اسم التقييد والتركيب، وأما إدراك كنهه فى نفس الأمر لا بقيد اسم التقييد والتركيب وهو منشأ الصعوبة فهو أحوج شيء إلى الذوق، وإنما صعب فى التعبير لأن التعبير عن الذوقيات أصعب شيء وإدراكها من التعبير كذلك، ولذلك يقال من وصف له البلوغ قبل الاحتلام لم يفهمه إلا بعده، وكذلك هو أصعب شيء فى الإدراك حيث يدعى التركيب أو التقييد، ولم يطابق الذوق ذلك المدعى تأمله.

الرابع: تشبيه مركب بمفرد

  (وإما تشبيه مركب بمفرد)، يعنى بمفرد مقيد بدليل المثال وهو معطوف أيضا على ما عطف عليه ما قبله، يعنى أن التشبيه إما تشبيه مفرد بمفرد، وقد تقدمت أقسامه، وإما تشبيه مركب بمركب، وإما تشبيه مفرد بمركب، وإما تشبيه مركب بمفرد مقيد كقوله: (يا صاحبى تقصيا نظريكما)⁣(⁣١) أى: ابلغا أقصى نظريكما بالمبالغة فى تحديق النظر، يقال تقصيته بلغت أقصاه، وإذا تقصيتما نظريكما واجتهدتما فيه ولم تقصرا فيه فانظرا ما قابلكما من الأرض بأن تلاحظا ملاحظة لا تقتضى المطالعة على مخبر الشيء فكأنما (تريا وجوه الأرض) أى: الأماكن البادية منها كالوجه (كيف تصور) أى: تريا كيف تبدو صورتها، أى: تريا كيفية صورتها بثبوت الإشراق لها كما دل عليه ما بعد، فقوله: «كيف تصور» بدل من وجوه مضارع سقطت منه تاء المضارعة، يقال: صوره الله فتصور، أى: فقبل التصوير، وبدت صورته فى الوجود، (تريا نهارا) أى: تريا ضوء نهار وإلا فالنهار لا يرى من حيث إنه زمان (مشمسا) أى: ذا شمس لم تستر بغيم، ولهذا وصف النهار بكونه مشمسا وأراد بالشمس ضوءها الظاهر (قد شابه) أى: خالط ذلك النهار، أى: ضوءه (زهر) أى: لون زهر (الربا) جمع ربوة وهى المكان المرتفع، وأراد بالزهر النبات مطلقا، وأطلق عليه الزهر؛ لأنه أحسن ما فيه مجازا (فكأنما هو) أى: النهار بمعنى الضوء المشوب بلون النبات (مقمر) أى: ليل ذو قمر، أى: ذو ضوء


(١) البيتان لأبى تمام من قصيدة يمدح فيها المعتصم، ديوانه (٢/ ١٩٤)، والإشارات ص (١٨٣).