مراتب التشبيه
  كقولك: زيد كالأسد وكأن زيدا أسد، فإن القوة موجودة فى اختلاف المشبه به؛ لأن الشجاعة فى الأسد أقوى وفى اختلاف الأداة لدلالة كأن على القوة والتأكيد فى المماثلة والكاف على ما دون ذلك، ولكن لا ينسب لذلك الاعتبار كون حذف الوجه والأداة معا أعلى - كما لا يخفى - لوجودها بدون ذلك الاعتبار ووجوده بدونها، وحاصله أن القوة وعدمها إن نظر إليهما باعتبار الاختلاف الحاصل بالذكر والحذف فأعلى ما فى تلك المراتب الحاصلة بالذكر والحذف حذف الأداة والوجه معا، وإن نظر إليهما باعتبار الاختلاف فى المشبه به فالأعلى ما تقوى فيه وجه الشبه كما فى الأسد مع الذئب، وإن نظر إليهما باعتبار الأداة فالأعلى ما فيه أداة التأكيد المقربة من التماثل، وقد يوجد الاختلاف قوة وضعفا فى جنس التشبيه بتعدد الوجه كقولك: زيد كعمرو فى العلم، وكهو فى الديانة إذا كانت ديانته أضعف، ولكن إذا اختلف الوجه فلا ينظر فى القوة وعدمها؛ لأنها جنسية، وهذه الاعتبارات ولو كان فيها قوة وضعف لم يعتبرها؛ لأن التقسيم فى القوة إنما يناسب أن ينظر إليه باعتبار مجموع الأركان ذكرا وحذفا مع الاتحاد لكونه من نمط النظر فى الأركان المعقود لها الباب، وأما ما يفيده المشبه به والوجه والأداة فهو أمر معنوى يرجع فيه إلى المدلول لغة لا إلى أن ما يعتبره البلغاء، فافهم.
  ولما فهم بعضهم أن معنى الكلام أن أعلى المراتب فيما تقوى باعتبار ذكر الأركان وحذف بعضها وجعل قوله: باعتبار متعلقا بالقوة اعترض بأن كلامه يقتضى أن ما لم يحذف فيه ركن يصدق عليه أنه تقوى باعتبار الذكر، وهو فاسد؛ إذ لا قوة له، فكان الواجب على هذا أن يقال: أعلى مراتب التشبيه فى القوة الحاصلة باعتبار حذف بعض الأركان ما حذف فيه الوجه والأداة معا؛ إذ لا قوة لما ذكر فيه الوجه والأداة والجواب ما تقدم من أن قوله باعتبار ذكر الأركان إلخ متعلق بالاختلاف الذى دل عليه بلسانه فى كلامه وهو قوله: أعلى؛ لأنه يشعر بأن ثم مراتب مختلفة فيها أعلى وأدنى، فخص الكلام بالمراتب المختلفة باعتبار الذكر والحذف على ما قررناه؛ ليخرج غير ذلك، ووجه القوة فيما ذكر أن ذكر الأداة يدل على المباينة بين الملحق والملحق به،