مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف الوضع

صفحة 246 - الجزء 2

  نعم، يبقى ما استعمل منها في المعنى الأصلي مع الفرعي بالقرينة يصدق عليها أنها كلمة استعلمت فيما وضعت له، لأنه لم يشترط الخصوص بأن يقول: فيما وضعت له فقط، حتى تخرج، ولعله لكون اللفظ لا يسميه كناية بذلك الاعتبار.

  وعلى إخراج الكناية - كما ذكرنا - يكون المراد بالقرينة المخرجة عن الدلالة بنفس اللفظ القرينة المعينة لإرادة غير الأصل، لا المانعة من إرادته؛ وإلا لم يخرج إلا المجاز؛ لأنه هو المصحوب بالقرينة المانعة عن إرادة الأصل دون الكناية، فإن قرينتها يبقى معها جواز إرادة المعنى الأصلي مع الفرعي على ما يأتي إن شاء الله تعالى - فقد علم بما ذكر: أن المجاز والكناية يخرجان عن الحد (دون المشترك) فلا يخرج، لأنه وضع وضعين فأكثر على وجه الاستقلال، بمعنى أنه عين أولا ليدل على المعنى بنفسه؛ أي: بلا قرينة، ثم عينه غير الواضع الأول لمعنى آخر ليدل عليه بنفسه أيضا، أو عينه واضعه أولا نسيانا للأول، أو بلا نسيان.

  فالقرء - مثلا - موضوع تارة ليدل بالاستقلال على معنى الحيض، وتارة ليدل كذلك على الطهر، فإذا استعمل في أحدهما واحتيج إلى القرينة المعينة للمراد لم يضر ذلك في كونه حقيقة؛ لأن الحاجة إلى القرينة فيه لتعيين المراد، لا لأجل وجود أصل الدلالة على المراد، فقرينة المشترك تفارق قرينة المجاز في أن قرينة المشترك لبيان دلالة عين لها اللفظ أولا بدونها فعرضت الحاجة لتعيينها بمزاحمة وضع آخر مستقل، وقرينة المجاز لبيان دلالة لم يكن اللفظ عين لها أو لا بدون القرينة بل عين لها مع القرينة؛ هذا في المشترك المستعمل في أحد معنييه، وأما المستعمل في معنييه معا، أو أكثر - بناء على جوازه - فإن قلنا إنه حقيقة فيهما كما قيل فالقرينة أيضا لبيان دلالة كان اعتبر لها أولا بدونها، وإن قلنا إنه مجاز فيهما فالقرينة لبيان دلالة اعتبر الوضع لها مع القرينة، وعليه فلا يبقى في الحد جميع أفراد المشترك بل بعضها، فليفهم.

  فتقرر بما ذكر أن الخارج عن الحد هو المجاز والكناية دون المشترك كلا أو بعضا، وأما ما يوجد في بعض النسخ وهو قوله: فخرج المجاز دون الكناية - فهو سهو من التاريخ، أو من الأصل؛ لأنه إن أراد أن الكناية يتناول الحد المذكور للوضع وضعها