مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

المرسل

صفحة 262 - الجزء 2

  المعنى المجازي لا بد فيه من علاقة بينه وبين المعنى الأصلي، ولم لا يصح أن يطلق اللفظ على غير معناه الأصلي بلا علاقة، ويكتفى فيه بالقرينة الدالة على المراد قلنا: إطلاق اللفظ على غير معناه الأصلي ونقله له على أن يكون الأول أصلا والثاني فرعا تشريك بين المعنيين في اللفظ، وتفريع لأحد الإطلاقين على الآخر، وذلك يستدعى وجها لتخصيص المعنى الفرعي بالتشريك والتفريع دون سائر المعاني، وذلك الوجه هو المناسب، وإلا فلا حكمة في التخصيص، فيكون تحكما ينافي حسن التصرف في التأصيل والتفريع. ولا يقال: المشترك لا مناسبة فيه فيكون تحكما؛ لأنا نقول: لا تفريع فيه ولا تشريك بالقصد الأولى. وأيضا من حكمة الوضع أمران:

  أحدهما: الرمز إلى المعنى باللفظ مع ضرب من الخفاء في الدلالة عند الحاجة للإخفاء.

  والآخر: الإشارة إليه به مع الوضوح فيها عند اقتضاء المقام للوضوح، وهذا المقصد إنما يكون في رعاية الانتقال من معنى لآخر، لأن فيه يتصور الخفاء تارة دون أخرى كما تقدم، وإنما ينتقل من معنى لما بينه وبينه مناسبة، والمناسبة هي العلاقة، فوضع المجاز لاعتبار العلاقة لإفادة هذا المقصد فإن قيل: الانتقال في المجاز من معنى لآخر لمناسبة قد يدعي ظهوره في المرسل، لأن فيه الانتقال من ملابس لملابسه على ما يأتي، وذلك بأن يختلج في صدر السامع المعنى الأصلي عند اختطاف اللفظ ثم يتصرف بالقرينة إلى غيره، ويجد أقرب الأشياء إليه ملابسة المعنى بالقرينة، فالملابسة صححت الاستعمال وأعانت على الفهم، لأنه كثيرا ما يلتفت الذهن إلى ما في أطراف الشيء، والقرينة أعانت أيضا على الفهم وأكدته، وعينت المراد، وأما مجاز الاستعارة مما بمعنى الانتقال فيه فإنك إن استعملت الأسد لم ينتقل منه إلى الرجل الشجاع من حيث إنه رجل شجاع، إذ ليس لازما للأسد وملابسا له، وإنما ينتقل منه إلى وصف الشجاع، ولم يقصد، إذ لا مشابهة بينه وبين معروضه، ولو قصد كان من المجاز المرسل - قلنا: الانتقال من الأسد إلى لازمه الذي هو نفس الشجاع الذي هو عارضه ولازمه، ولما كان ملابسا أيضا وعارضا للرجل - انتقل منه إلى الرجل الموصوف؛ لأنه لا يراد هنا