الاستعارة
  جعلها علاقة، فإن المشفر - الذي هو في الأصل شفة البعير - إذا نقل عن هذا المعنى الذي هو الشفة المقيدة بكونها للبعير، وأطلق على شفة أخرى من حيث إنها مطلق شفة كشفة الإنسان، لا بقيد كونها للإنسان بل من حيث إنها شفة كان مرسلا، وإن وجدت المشابهة بينها وبين شفة البعير في الغلظ والانحلال عن اللثة مثلا. وهو من باب إطلاق اسم المقيد على المطلق، والمقيد شفة البعير، والمطلق شفة الإنسان، لأن الغرض أن الإطلاق لا من حيث التقييد بكونها للإنسان وإلا كان من إطلاق المقيد على المقيد.
  وإذا أطلق المشفر على شفة الإنسان لا من حيث إنها مطلق شفة، بل من حيث إن شفة هذا الإنسان فيها من الغلظ والانحلال مثلا ما أشبهت به شفة البعير كان استعارة لانبناء الإطلاق على التشبيه؛ وبهذا يعلم أن اللفظ الواحد يجوز أن يكون باعتبار ما يصدق عليه على وجه التجوز استعارة؛ لإفادته أن معناه شبه بمعناه الأصلي، ومجازا مرسلا لإفادته معنى مطلق باعتبار أصله فاللفظ الواحد يكون استعارة ومرسلا باعتبارين، ومعلوم أن مفهومه مختلف بالاعتبارين، ومصدوقه هو المتحد؛ فإن كان المشفر استعارة كان مفهومه شفة تستلزم غلظا وانحلالا هما كنفس غلظ وانحلال شفة البعير، وإذا كان مرسلا فمفهومه مطلق الشفة المستلزمة لكونها من حيث الإطلاق بعض معنى أصلها، والمصدوق في الخارج متحد في بعض الأوقات. وإنما قلنا في بعض الأوقات لأن شفة الإنسان يجوز أن لا يكون فيها وجه شبه فيصدق فيها الإرسال دون الاستعارة. لا يقال: المفهوم من الإرسال مطلق الشفة وأما استلزامها لما ذكر فهو رعاية واعتبار للعلاقة، لأنا نقول متى لم تفهم العلاقة ولو باللزوم صارت حقيقة عرفية؛ وكذا الاستعارة متى لم تفهم المشابهة صارت حقيقة عرفية، وإنما قلنا فيهما بالاستلزام لما ذكر، ولم نقل: إن ما ذكر داخل فيما نقل له اللفظ؛ لأن المنقول له اللفظ في الاستعارة هو الطرف المشبه وحده، ولا يدخل فيه وجه الشبه إلا تبعا؛ حيث يكون داخلا في مفهوم الطرفين، وسيأتي تحقيقه، والمنقول إليه في المرسل هو نفس المطلق، والعلاقة هي السبب.
  ومثل المشفر: المرسن؛ الذي هو في الأصل مكان الرسن من البعير أو الدابة مطلقا، فإذا استعمل في مطلق الأنف كأنف الإنسان من حيث إنه مطلق باعتبار المقيد الذي هو