مفارقة الاستعارة للكذب
  المعين مشعرا بالوصف على طريق الدلالة اللزومية، فيجوز أن يشبه بالشخص الذي وضع له شخص آخر في ذلك الوصف لاشتهار ما وضع له لفظ حاتم بذلك الوصف وقوته فيه في اعتقاد المخاطبين، ثم يتأول اللفظ موضوع لصاحب وصف الجود المستعظم، لا من حيث إنه شخص معين فإن كان الوضع إنما هو أولا فيفرض له بهذا التأويل فردان كما تقدم في الموضوع الكلى أحدهما متعارف، وهو الشخص الطائي المعلوم المشهور بذلك الوصف والآخر غير متعارف، وهو ذلك المشبه فيطلق اللفظ على غير المتعارف وهو هذا المشبه بتأويل أنه من أفراده، وإنما احتيج إلى هذا التأويل في الاستعارة مطلقا ليصح إطلاق اللفظ على ما لم يوضع له في الأصل، وإذا كان لا فرق بين التشبيه والاستعارة إن بقى على معناه وكان كالغلط أو الكذب إن نقل بلا ذلك التأويل وقد تقدم أن التحقيق في مستند هذا الادعاء تراكيب البلغاء، وإلا فيمكن أن يدعى أن مجرد التشبيه كاف فى نقل اللفظ لغير معناه الأصلى من غير إدخاله في جنس المنقول عنه، ثم وقد تقدم أن التحقيق في مستند هذا الإدعاء تراكيب البلغاء، وإلا فيمكن أن الذي بين في نحو حاتم يمكن كما تقدم أن يراعى في ذى الوصف الأقوى ولو لم يكن كحاتم في الشهرة، فعلى ما تقرر إذا قلت: كان حاتم جوادا كان حقيقة حيث أريد الطائي المعروف وإذا قلت رأيت حاتما مريدا شخصا شبه بحاتم كان استعارة، ويتحقق صحته بما ذكر، ولما كانت الاستعارة من المجاز، والمجاز لا بد له من قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوع له، أشار إلى تفصيل قرينتها فقال (وقرينتها) أى: وقرينة الاستعارة (إما أمر واحد) أى: إما أن تكون القرينة أمرا واحدا والمراد بالأمر الواحد المعنى المتحد الذي ليس حقائق متعددة، سواء دل عليه بلفظ التركيب أو بلفظ الإفراد، وذلك (كما في قولك رأيت أسدا يرمى) بالسهام مثلا، فإن حقيقة الرمى بالسهام قرينة على أن المراد بالأسد الرجل الشجاع، إذ منه يمكن الرمى دون الحقيقي.
  (أو أكثر) أى: أو تكون تلك القرينة أكثر من أمر واحد أى: معنى واحد بأن تكون أمرين أو ثلاثة أو أكثر بشرط أن يكون كل واحد مستقلا في الدلالة على الاستعارة