جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الثامن في فوائد التشبيه

صفحة 217 - الجزء 1

  شبه النياق السود، بخافية الغراب، بيانا لمقدار سوادها، فالسواد صفة مشتركة بين الطرفين.

  ٤ - أو تقرير حال المشبه، وتمكينه في ذهن السامع، بإبرازها فيما هي فيه أظهر⁣(⁣١) كما إذا كان ما أسند إلى المشبه يحتاج إلى التثبيت والإيضاح فتأتي بمشبه به حسي قريب التصور، يزيد معنى المشبه إيضاحا لما في المشبه به من قوة الظهور والتمام، نحو: هل دولة الحسن إلا كدولة الزهر، وهل عمر الصبا إلا أصيل أو سحر، ومثل قوله: [الكامل]

  إن القلوب إذا تنافر ودها ... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر⁣(⁣٢)

  شبه تنافر القلوب، بكسر الزجاجة، تثبيتا لتعذر عودة القلوب إلى ما كانت عليه من الأنس والمودة.

  ٥ - أو بيان إمكان وجود المشبه، بحيث يبدو غريبا يستبعد حدوثه والمشبه به يزيل غرابته، ويبين أنه ممكن الحصول، مثل قوله: [الوافر]

  فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال⁣(⁣٣)

  ٦ - أو مدحه وتحسين حاله، ترغيبا فيه، أو تعظيما له، بتصويره بصورة تهيج في النفس قوى الاستحسان، بأن يعمد المتكلم إلى ذكر مشبه به معجب، قد استقر في النفس حسنه

و


(١). ويكثر في تشبيه الأمور المعنوية بأخرى ما تدرك بالحس: نحو التعلم في الصغر كالنقش في الحجر.

(٢). تنافر القلوب وتوادها من الأمور المعنوية، ولكن الشاعر نظر إلى ما في المشبه به من قوة الظهور والتمام.

فانتقل بالسامع من تنافر القلوب الذي لا ينتهى إذا وقع، إلى كسر الزجاجة الذي لا يجير إذا حصل، فصور لك الامر المعنوي بصورة حسية.

(٣). أي أنه لا استغراب في علوّك على الأنام مع أنك واحد منهم، لأن لك نظيرا وهو (المسك) فإنه بعض دم الغزال وقد فاق على سائر الدماء، ففيه تشبيه حال الممدوح بحال المسك تشبيها ضمنيا، والتشبيه الضمني هو تشبيها لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل بلمحان في التركيب لإفادة أن الحكم الذي أسند إلى الشبه ممكن. نحو: المؤمن مرآة المؤمن.