الباب الثاني في المجاز
  ومذهب «الخطيب القزويني» أن المكنية هي التشبيه المضمر في النفس، المرموز إليه بإثبات لازم المشبه به للمشبه وهذا الإثبات هو الاستعارة التخييلية.(١)
  ومذهب «السكاكي» أن المكنية لفظ المشبه، مرادا به المشبه به(٢) فالمراد بالمنية في قوله:
  وإذا المنية أنشبت أظفارها هو السبع بادعاء السبعية لها. وإنكار أن تكون شيئا غير السبع، بقرينة إضافة الأظفار التي هي من خواص السبع إليها. والتخييلية عنده ما لا تحقق لمعناه.
  لا حسا ولا عقلا بل هو صورة وهمية محضة: كالأظفار في ذلك المثال فإنه لما شبه المنية، بالسبع في الاغتيال، أخذ الوهم يصورها بصورته. ويخترع لها لوازمه، فاخترع لها صورة كصورة الأظفار. ثم أطلق عليها لفظ الأظفار فيكون لفظ الأظفار استعارة تصريحية تخييلة.
  اما أنها تصريحية: فلأنه صرح فيها بلفظ المشبه به وهو اللازم الذي أطلق على صورة وهمية شبيهة بصورة الأظفار المحققة.
  أما أنها تخييلية: فلأن المستعار له غير محقق لا حسا ولا عقلا. والقرينة على نقل الأظفار
(١). من هذا التعريف نفهم أولا: أن «القزويني» يخالف السلف في تعريف المكنية ويتفق معهم في قرينتها. ونفهم ثانيا أن المكنية والتخييلية عند القزويني فعلان من أفعال النفس هما التشبيه والإثبات، فليسا من المجاز اللغوي، لأنه من عوارض الألفاظ وتكون التخييلية عند القزويني والقوم «مجازا عقليا»، لما فيها من إثبات الشيء لغير ما هو له، وإنما سموها (استعارة) لما فيها من نقل اللازم من ملاءمة الأصل، وهو المشبه به إلي المشبه، وسموها تخييلية لأن اللازم لما نقل من المشبه به إلى المشبه صار السامع يخيل إليه أن المشبه من جنس المشبه به. ونفهم ثالثا أن لفظ اللازم في المكنية حقيقة عند (القزويني).
(٢). تقرير الاستعارة على مذهب (السكاكي) أن يقال: شبهنا المنية التي هي الموت المجرد عن ادعاء السبعية، بالسبع الحقيقي، وادعينا أنها فرد من أفراده، وأن للسبع فردين فردا متعارفا وهو الحيوان المفترس، وفردا غير متعارف وهو الموت الذي ادعيت له السبعية، واستعير اسم المشبه وهو المنية بمعني ذلك الفرد غير المتعارف، أعني الموت الذي ادعيت له السبعية، فصح بهذا أنه قد أطلق اسم المشبه، وهو المنية وأريد به المشبه به، وهو السبع.