الباب الثاني في المجاز
  فاستعارة الفعل(١)، نحو قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}[الحاقة: ١١] ونحو قوله تعالى: {وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً}[الأعراف: ١٦٨] ونحو قوله تعالى:
  {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران: ٢١، التوبة: ٣٤]
  يقال: شبه زيادة الماء زيادة مفسدة، بالطغيان، بجامع مجاوزة الحد في كل، وادعي أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، ثم استعير المشبه به للمشبه: على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، ثم اشتق من الطغيان بمعني الزيادة طغي بمعني زاد، وعلا؛ على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
  هذا: وقد يستعمل لفظ الماضي موضع المضارع، بناء على تشبيه المستقبل المحقق، بالماضي الواقع، بجامع تحقق الوقوع في كل، نحو: قوله تعالى: {وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا}[فصلت: ٢١].
  وقد يعبر بالمضارع عن الماضي، بناء على تشبيه غير الحاضر بالحاضر في استحضار صورته الماضية، لنوع غرابة فيها. نحو: قوله تعالى {إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}.
  التنبيه التاسع: استعارة المشتق: إما صفة(٢)، وأما اسم زمان؛ أو مكان أو آلة فالصفة،
(١). لو دخلت أن المصدرية على فعل مستعار نحو: يسوءني أن يطغي الماء على قربتي، فالحق أنها تبعية وأن المستعار هو الفعل وحده وهو الذي حل محل يكثر أو يعلو. والعبرة باللفظ. والمصدر غير ملفوظ به، و «أن» إنما هي آلة في السبك أتي بها لغرض هو تأويل مدخولها بمصدر. فإذا أدى بها هذا الغرض طرحت كما تطرح الآلة إثر إتمام العمل الذي يؤدى بها. وقال بعضهم إنها أصلية نظرا للمصدر المؤول.
(٢). يراد بالصفة: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبه واسم التفضيل ويلحق بها المصغر والمنسوب كرجيل إذا أريد به رجل كبير تعاطي ما لا يليق به وكقرشي لمصرى يتخلق بأخلاق القرشيين فإن استعارتهما تابعة لاستعارة مصدرين يؤدى هذان اللفظان معناهما وهما صغير ومنتسب إلى قريش. شبه فعل ما لا يليق بالصغر، بجامع أن كلّا يسقط الهيبة، واستعير لفظ الصغر لفعل ما لا يليق ثم اشتق منه صغير بمعني فاعل ما لا يليق، ثم عبر عن فاعل ما لا يليق بلفظ رجيل. أو شبه رجيل، أو شبه مطلق فعل ما لا يليق، بمطلق الصغر، فسرى التشبيه إلي فردى المشبه والمشبه به، وهما فاعل ما لا يليق ورجيل، ثم استعير بناء على التشبيه الحاصل بالسريان رجيل للكبير الذي يفعل فعل الصغير، وشبه التخلق بأخلاق قريش الانتساب إليهم، واستعير الانتساب للتخلق واشتق منه المنتسب بمعني المتخلق بأخلاقهم ثم عبر عن هذا بلفظ يؤديه وهو «قرشي» على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.