الباب الثاني في المجاز
  قطعت جهيزة قول كلّ خطيب(١).
  ومن الشعر قول الشاعر: [المتقارب]
  إذا جاء موسي وألقي العصا ... فقد بطل السحر والساحر
  وقول آخر: [الوافر]
  إذا قالت حذام فصدّقوها ... فإن القول ما قالت حذام
  وقول آخر: [الطويل]
  متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم(٢)
  وإذا فشت وشاعت الاستعارة التمثيلية(٣)، وكثر استعمالها تكون مثلا(٤) لا يغير مطلقا، بحيث يخاطب به
(١). أصل هذا المثل: أن قوما اجتمعوا للتشاور في الصلح بين حيين من العرب قتل رجل من أحدهما رجلا من الآخر، وبينما خطباؤهم يتكلمون، إذا بجارية تدعى (جهيزة) أقبلت فأخبرتهم أن أولياء المقتول ظفروا بالقاتل، فقتلوه، فقال أحدهم (قطعت جهيزة قول كل خطيب) فذهب قوله مثلا.
(٢). وإجراء الاستعارة في المثل التاسع: شبهت حال المصلح ببدء الإصلاح ثم يأتي غيره فيبطل عمله.
بحال البنيان ينهض به حتى إذا أوشك أن يتم جاء من يهدمه، والجامع هو الحالة الحاصلة من عدم الوصول إلي الغاية، لوجود ما يفسد على المصلح إصلاحه، ثم حذف المشبه واستعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه.
(٣). وتنقسم التمثيلية إلي قسمين تحقيقية وتخييلية، فالتحقيقية هي المنتزعة من عدة أمور متحققة موجودة خارجا، كما في الأمثلة السابقة، والتخييلية هي المنتزعة من عدة أمور متخيلة مفروضة لا تحقق لها في الخارج ولا في الذهن. وتسمي الأولي «تمثيلية تحقيقية» والثانية «تخييلية» كقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها} الآية على احتمال فيها فإنه لم يحصل عرض وإباء وإشفاق منها حقيقية، بل هذا تصوير وتمثيل. بأن يفرض تشبيه حال التكاليف في ثقل حملها وصعوبة الوفاء بها، بحال أنها عرضت على هذه الأشياء، مع كبر أجرامها، وقوة متانتها، فامتنعن وخفن من حملها، بجامع عدم تحقق الحمل في كل، ثم استعير التركيب الدال على المشبه به، للمشبه استعارة تمثيلية، ونحو قوله تعالى: {فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ} فإن معني أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فكانتا كما أراد.
فالغرض تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما عنها، وتمثيل ذلك بحالة الآمر المطاع لهما وإجابتهما له بالطاعة فرضا وتخييلا من غير أن يتحقق شيء من الخطاب والجواب، هذا أحد وجهين في الآيتين كما في [الكشاف]. فارجع إليه.
(٤). الأمثال (١)، هي عبارات موجزة مأثورة، يشبه الناس بها جديد أحوالهم بقديمها، وهي نوعان: حقيقية، وفرضية. =