الباب الثالث في الكناية وتعريفها وأنواعها
  بكذا، عن كذا إذا تركت التصريح به.
  واصطلاحا: لفظ أريد به غير معناه الذي وضع له، مع جواز إرادة المعنى الأصليّ لعدم وجود قرينة مانعة من إرادته نحو: زيد طويل النجاد تريد بهذا التركيب أنه شجاع عظيم، فعدلت عن التصريح بهذه الصفة، إلى الإشارة إليها بشيء تترتب عليه وتلزمه، لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه، ويلزم من طول الجسم الشجاعة عادة، فإذا:
  المراد طول قامته، وإن لم يكن له نجاد، ومع ذلك يصح أن يراد المعنى الحقيقي، ومن هنا يعلم أن الفرق بين الكناية والمجاز صحة إرادة المعنى الأصلي في الكناية، دون المجاز: فإنه ينافي ذلك.
= يريدون أنه غني حسن الحال. وعليه قول الحريري: [البسيط]
إن الغريب الطويل الذيل ممتهن ... فكيف حال غريب ما له قوت
وكذلك قولهم: فلان طاهر الثوب، أي منزه عن السيئات، فلان دنس الثوب أي متلوث بها، قال امرؤ القيس:
ثياب بني عوف طهارى نقية ... وأوجههم عند المشاهد غرات
ويقولون: فلان غمر الرداء، إذا كان كثير المعروف عظيم العطايا. قال كثير: [الكامل]
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال
ومن الكنايات اللطيفة: ما ذكرها الأدباء في الشيب والكبر، فقالوا: عرضت لفلان فترة، وعرض له ما يمحو ذنوبه. وأقمر ليله. ونور غصن شبابه، وفضض الزمان أبنوسه، وجاءه النذير. وقرع ناجذ الحلم. وارتاض بلجام الدهر. وأدرك زمان الحنكة. ورفض غرة الصبا. ولبى دواعي الحجى. ومن كناياتهم عن الموت: استأثر اللّه به. وأسعده بجواره. ونقله إلى دار رضوانه ومحل غفرانه، واختار له النقلة من دار البوار إلى دار الأبرار. ومن الكنايات أيضا أن يقام وصف الشيء مقام اسمه كما ورد في القرآن الكريم {وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ} يعني السفينة. فوضع صفتها موضع تسميتها، كما ورد {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ} يعني الخيل، وقال بعض المتقدمين: [الكامل]
سألت قتيبة عن أبيها صحبه ... في الروح هل ركب الأغر الأشقرا
يعني هل قتل، لأن الأغر الأشقر، وصف الدم فأقامه مقام اسمه.