الباب الثالث في الكناية وتعريفها وأنواعها
  نعم: قد تمتنع إرادة المعنى الأصلي في الكناية، لخصوص الموضوع كقوله تعالى:
  {وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[سورة الزمر، الآية: ٦٧] وكقوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}[طه: ٥] كناية عن تمام القدرة، وقوة التمكن والاستيلاء.
  وتنقسم الكناية بحسب المعنى الذي تشير إليه إلى ثلاثة أقسام:
  ١ - كناية عن صفة: كما تقول: هو ربيب أبي الهول تكني عن شدة كتمانه لسره.
  وتعرف كناية الصفة بذكر الموصوف: ملفوظا أو ملحوظا من سياق الكلام.
  ٢ - كناية عن موصوف: كما تقول: أبناء النيل تكني عن المصريين ومدينة النور تكني عن باريس وتعرف بذلك الصفة مباشرة، أو ملازمة ومنها قولهم تستغني مصر عن مصب النيل ولا تستغني عن منبعه كنوا بمنبع النيل عن أرض السودان. ومنها قولهم: هو حارس على ماله كنوا به عن البخيل الذي يجمع ما له، ولا ينتفع به. ومنها قولهم: هو فتى رياضي يكنون عن القوة، وهلم جرا.
  ٣ - كناية عن نسبة: وسيأتي الكلام عليها فيما بعد.
  فالقسم الأول: وهو الكناية التي يطلب بها صفة هي ما كان المكنى عنه فيها صفة ملازمة لموصوف مذكور في الكلام.
  وهي نوعان:
  أ - كناية قريبة: وهي ما يكون الانتقال فيها إلى المطلوب بغير واسطة بين المعنى المنتقل عنه، والمعنى المنتقل إليه، نحو قول الخنساء في رثاء أخيها صخر: [المتقارب]
  رفيع العماد طويل النجا ... دساد عشيرته أمردا(١)
(١). قصدت الخنساء وصف صخر بطول القامة والشجاعة، فعدلت التصريح بما أرادت إلى الإشارة إليه بطول النجاد لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول قامة صاحبه. أو طول القامة يلزم الشجاعة غالبا، كما أرادت وصفه بالعزة والسيادة فلم تصرح بقصدها وصرحت بما يستدعي ما أرادت فقالت: (رفيع العماد) فرفعة العماد تستلزم أنه عظيم المكانة في قومه عليّ الشأن بين عشيرته، لجريان العادة بذلك. وعمدت إلى وصفه بالجود والكرم، فقالت: (كثير الرماد) تشير إلى كثرة الإيقاد للإطعام، وهذا يلزم الكرم.