جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

أثر علم البيان في تأدية المعاني

صفحة 287 - الجزء 1

أثر علم البيان في تأدية المعاني

  ظهر لك من دراسة علم البيان: أن معنى واحدا يستطاع أداؤه بأساليب عديده وطرائق مختلفه، وأنه قد يوضع في صورة رائعة من صور التشبيه أو الاستعارة، أو المجاز المرسل، أو المجاز العقلي، أو الكناية، فقد يصف الشاعر إنسانا بالكرم، فيقول: [المتقارب]:

  يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع

  وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكنّ معروفه أوسع

  وهذا كلام بليغ جدا، مع أنه لم يقصد فيه إلى تشبيه أو مجاز، وقد وصف الشاعر فيه ممدوحه بالكرم، وأن الملوك يريدون أن يبلغوا منزلته ولكنهم لا يشترون الحمد بالمال كما يفعل، مع أنه ليس بأغنى منهم، ولا بأكثر مالا.

  وقد يعتمد الشاعر عند الوصف بالكرم إلى أسلوب آخر، فيقول: [الكامل]

  كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جودا ويبعث للبعيد سحائبا

  فيشبه الممدوح: بالبحر، ويدفع بخيالك إلى أن يضاهي بين الممدوح والبحر الذي يقذف الدرر للقريب، ويرسل السحائب للبعيد، أو يقول: [الطويل]

  هو البحر من أيّ النواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله

  فيدعي أنه البحر نفسه، وينكر التشبيه نكرانا يدل على المبالغة، وادعاء المماثلة الكاملة، أو يقول: [البسيط]

  علا فما يستقر المال في يده ... وكيف تمسك ماء قنة الجبل؟