أثر علم البيان في تأدية المعاني
  فيرسل إليك التشبيه: من طريق خفي، ليرتفع الكلام إلى مرتبة أعلى في البلاغة وليجعل لك من التشبيه الضمني دليلا على دعواه، فإنه ادعى: أنه لعلوّ منزلته ينحدر المال من يديه، وأقام على ذلك برهانا. فقال وكيف تمسك ماء قنة الجبل أو يقول: [الطويل]
  جرى النهر حتى خلته منك أنعما ... تساق بلا ضنّ وتعطى بلا منّ(١)
  فيقلب التشبيه زيادة في المبالغة، وافتنانا في أساليب الإجادة. ويشبه ماء النهر بنعم الممدوح، بعد أن كان المألوف، أن تشبه النعم، بالنهر الفياض أو يقول: [البسيط]
  كأنه حين يعطي المال مبتسما ... صوب الغمامة تهمي وهي تأتلق(٢)
  فيعمد إلى التشبيه المركب، ويعطيك صورة رائعة، تمثل لك حالة الممدوح وهو يجود، وابتسامة السرور تعلو شفتيه، أو يقول: [البسيط]
  جادت يد الفتح والأنداء باخلة ... وذاب نائله والغيث قد جمدا
  فيضاهي بين جود الممدوح والمطر، ويدعي أنّ كرم ممدوحه لا ينقطع، إذا انقطعت الانداء، أو جمد المطر، أو يقول: [الكامل]
  قد قلت للغيم الرّكام ولجّ في ... إبراقه وألحّ في إرعاده(٣)
  لا تعرضنّ لجعفر متشبّها ... بندى يديه فلست من أنداده
  فيصرح لك في جلاء، وفي غير خشية بتفضيل جود صاحبه على جود الغيم، ولا يكتفي بهذا، بل تراه ينهى السّحاب في صورة تهديد أن يحاول التشبه بممدوحه؛ لأنه ليس من أمثاله ونظائره، أو يقول: [الطويل]
  وأقبل يمشي في البساط فما درى ... إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي
(١). الضن البخل، والمن الامتنان بتعداد الصنائع.
(٢). تهمي تسيل، وتأتلق تلمع.
(٣). الغيم الركام المتراكم. لجّ وألجّ كلاهما بمعنى استمر.