الفرق بين الفصاحة والبلاغة
  منشأ غايته التى هى معرفة إعجاز القرآن وبيان انحصار العلم فى الثلاثة التى يوقف على معانى الفنون فى الجملة، ولا يخفى ارتباط ما ذكر بالمقصود، وأما مقدمة العلم، وهى المعانى التى يتوقف عليها الفن، فقد تكون نفس مدلول الألفاظ المتقدمة التى هى فى مقدمة الكتاب، وقد يكون غيرها مدلولها، وعلى أنا لا نسلم اشتراط التوقف الحقيقى، بل المراد التوقف الكمالى، ولا نسلم اشتراط كونها ذكر الموضوع والغاية والحد فقط، فلا يرد البحث أصلا فتحصل فى الفرق بين مقدمة العلم ومقدمة الكتاب، أن الأولى مرجعها إلى المعنى المتوقف عليه كمالا أو حقيقة، والثانية مرجعها إلى الألفاظ الدالة على المعانى التى لها رابط بالمقصود، فيتجه حينئذ أن يقال: إن بين مدلول مقدمة الكتاب ومقدمة العلم عموما من وجه، أو يقال: إن بين الدال على مقدمة العلم، ومقدمة الكتاب عموما من وجه، وهذا الفرق مما خفى على كثير من الناس وفى هذا المقال مجال للبحث وما ذكر كاف فيه.
  ثم مهد لتعريف الفصاحة والبلاغة تمهيدا، بأن بين اختلاف كل منهما باختلاف الموصوفات؛ ليتأتى تعريف كل على حدة، إذ لا يمكن جمع الأشياء المختلفة فى المعنى فى تعريف واحد، ولو اتحد اللفظ، لعدم اشتراكها فى الفصل، الذى تتميز به عما سواها، ويعمها دون غيرها، وإلا لم يتحقق اختلافها فى الفصول، فإن العين الباصرة، والنقد، والماء الجارى، لا يمكن تعريفها باعتبار هذه المعانى تعريفا واحدا.
الفرق بين الفصاحة والبلاغة
  فقال: (الفصاحة) وهى فى اللغة: لا تخلو عن معنى الظهور، فيكون فعلها لازما، كقولهم فصح اللبن إذا ظهر من رغوته، أو عن معنى الإبانة فيكون فعلها فى المعنى متعديا، كأفصح الأعجمى أبان مراده، ونقلت عرفا إلى وصف فى الكلمة، والكلام، والمتكلم، لا يخلو ذلك الوصف من ملابسة وضوح وظهور، فهى حقيقة عرفية. (يوصف بها المفرد والكلام) فيقال فى المفرد كلمة فصيحة، وفى الكلام هذا كلام فصيح.