مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

المطابقة

صفحة 490 - الجزء 2

  الألوان أمور متقابلة فهي جزئية من جزئيات الطباق، وخصت باسم التدبيج لتخيل وجود الألوان فيها كوجود الألوان بالمطر، فالتدبيج الذي فيه الكناية (نحو قوله) أي قول أبي تمام يرثي رجلا مات في الجهاد (تردى)⁣(⁣١) أي: لبس من ترديت الثوب أخذته رداء ولبسته (ثياب الموت) أي لبس ثياب الموت (حمرا) أي: في حال كونها محمرة بالدم، وهذا هو الذي يدل على أن المراد بالثياب الثياب الملطخة بالدم لا الثياب التي تلبس للحال؛ لأن ذلك يحوج إلى جعل الحال الذي هو قوله حمرا حالا مقدرة (فما أتى لها) أي: فلم يأت لتلك الثياب ولم يدخل (الليل إلا وهي) أي: وتلك (الثياب من سندس) أي: من حرير تلك الثياب (خضر) فخضر خبر بعد خبر؛ لأن القصيدة مضمومة الروي مثلها قوله:

  وقد كانت البيض القواضب في الوغى ... بواتر وهي الآن من بعده بتر

  ومعنى البيت أن المرثي لبس الثياب الملطخة بالدم حين قتل، ولم يدخل عليه الليل حتى صارت تلك الثياب من السندس وصارت خضرا، فقد جمع بين لونين فقط، والأول وهو حمرة الثياب كناية عن القتل لاستلزامه إياه عرفا مع قرينة السياق، والثاني وهو خضرة الثياب كنى به عن دخول الجنة لما علم أن أهل الجنة يلبسون الحرير الأخضر، وصيرورة هذه الثياب تلك عبارة عن انقلاب حال القتل إلى حالة النعمة بالجنة، وأما التدبيج المشتمل على التورية، وهي أن يكون للفظ معنيان قريب وبعيد ويراد به البعيد كقول الحريرى: فمذ اغبر العيش الأخضر، وصف العيش بالاخضرار كناية عن طيبه ونعومته وكماله؛ لأن اخضرار العود والنبات يدل على طيبه ونعومته وكونه على أكمل حال، فيكنى به عن لازمه في الجملة الذي هو الطيب والحسن والكمال، والاغبرار كناية عن ضيق العيش ونقصانه، وكونه في حال التلف؛ لأن اغبرار النبات والمكان يدل على الذبول والتغير والرثاثة، فيكنى به عن معنى هذا اللازم، وازور المحبوب الأصفر أي: مال عنى المحبوب الأصفر، وفي هذا اللون وقعت التورية، فالمعنى القريب للمحبوب الأصفر هو الإنسان الموصوف بالصفرة المحبوبة، وازوراره بعده عن


(١) البيت فى رثاء محمد بن حميد الطوسى، فى ديوان أبى تمام ص (٣٥٦)، والإيضاح ص (٢٩١).