مراعاة النظير
  السهام أدق عادة من الوتر فلا يتم هذا الترتيب، وقيل: إنه شبهها عند الانعطاف بالقسي، وعند عدمه بالسهام وعند اجتماعهما بالوتر لجمعه الطرفين المنعطفين من القوس، وهذا الوجه الأخير لا يكاد يتحقق؛ فإن الإبل ليس لها في ذاتها امتداد كالسهام، ولا الجمع بين الامتداد والتعطف كما في هيئة الوتر مع القوس، على أن هذا الأخير لو تم لكان الواجب تشبيهها بمجموع الوتر والقوس كما لا يخفى.
  (ومنها) أي: ومن مراعاة النظير التي هي نوع من البديع المعنوي (ما) أي قسم (يسميه بعضهم تشابه الأطراف، وهو) أي: القسم الذي يسمى من المراعاة تشابها هو (أن يختم الكلام بما يناسب ابتداءه في المعنى) إما لكون ما ختم به كالعلة لما بدأ به، أو العكس، أو كالدليل عليه، أو نحو ذلك، وإنما كان هذا نوعا خاصا؛ لأن المراعاة هي مطلق الجمع بين المتناسبين سواء كان أحدهما في الختم والآخر في الابتداء، كما في تشابه الأطراف أو كانا معا في الابتداء كما تقدم في المثال، أو في الاختتام، أو في التوسط، والمراد بالكلام هنا ما يقصد من التراكيب المفيدة سواء كانت جملة واحدة أو أكثر، وذلك (نحو) قوله تعالى {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(١) فإن عدم إدراك الأبصار له وهو مدلول الجملة الأولى يناسبه قوله: اللطيف، وكونه مدرك الأبصار، وهو مدلول الجملة الثانية يناسبه قوله الخبير، أما مناسبة الخبير لإدراكه الأبصار فظاهرة؛ لأن الخبير من له العلم بالخفيات، ومن جملة الخفيات بل الظواهر الأبصار فيدركها، وأما مناسبة اللطيف لكونه لا تدركه الأبصار فلا تظهر إلا لو أريد باللطيف اللطيف العرفي، وهو أن يدق الشيء بحيث لا يظهر فإنه يناسبه أنه لا يرى، لكن لا يراد ذلك هنا لاستحالته، وإنما المراد باللطيف: الرفيق الموصل الأنفاع بلطف ولطف، اللهم إلا أن يراد باللطيف لازمه تجوزا، وهو كونه خفيا في ذاته أو يكون معنى المناسبة ما يكون باعتبار الأصل على وجه الإيهام فافهم.
(١) الأنعام: ١٠٣.