مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

مراعاة النظير

صفحة 500 - الجزء 2

  عصاة يستحقون العقوبة، والغفران لمن يستحق العقوبة إنما يكون من العزيز أي القاهر الغالب الذي لا يعترض على أمره، إذ العزيز مأخوذ من عز إذا غلب، ثم لما ذكر أن المغفرة للمذنب إنما تكون من العزيز الغالب الذي لا اعتراض على أمره ناسب زيادة الحكيم دفعا لما يتوهم من أن العفو عن المستحق خال عن الحكمة، فذكر الحكيم إشارة إلى أن فعله ذلك لحكمة وسر يراعى قهرا وعدلا، فكأنه يقال: إن تغفر لهؤلاء المذنبين فأنت أهل لذلك؛ إذ لا اعتراض عليك لعزتك، ومع ذلك ففعلك لا يخلو عن حكمة ولو أخفيت عن الخلق.

  (ويلحق بها) أي ويلحق بمراعاة النظير أمر نسبته للمراعاة كنسبة إيهام التضاد للطباق، وذلك الأمر هو أن يجمع بين معنيين غير متناسبين في أنفسهما لعدم وجود شيء من أوجه التناسب من تقارن أو علية أو دلالة أو نحو ذلك، ولكن عبر عنهما بلفظين بينهما تناسب باعتبار أصل استعمالهما في معنيهما، ولو لم يقصد المعنيان المتناسبان في الحالة الراهنة وذلك (نحو) قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ٥ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ}⁣(⁣١) أما تناسب الشمس والقمر فظاهر، وقد تقدم ولم يقصد التمثيل باعتبارهما فقط، ولكن قصد التمثيل باعتبارهما مع النجم، إذ النجم في أصل معناه المتبادر يناسب الشمس والقمر؛ لأنه يقترن معهما في الخيال لكونه جسما نورانيا سماويا ففيه باعتبار معناه الأصلي المتبادر مناسبة، وأما باعتبار المراد منه في هذا الاستعمال فلا يناسبهما، إذ هو النبات الذي لا ساق له، والشجر ما له ساق مما ينبت في الأرض والمراد بسجودهما انقيادهما لما يراد منهما، فكأنهما خاضعان مستسلمان بالقول والفعل لما يراد منهما.

  (و) لأجل أن معنى هذا القسم في الحالة الراهنة لا يناسب، وإنما يناسب باعتبار أصل المعنى الغير المناسب (يسمى إيهام التناسب) لتخيل الوهم فيه المناسبة باعتبار ما يتبادر كما مر في إيهام التضاد، ولذلك قلنا: إن نسبته من المراعاة كنسبة إيهام التضاد من المطابقة.


(١) الرحمن: ٥، ٦.