مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فصاحة الكلام

صفحة 119 - الجزء 1

  معناه، فإذا لم يذكر معاد الضمير بأحد هذه الوجوه، كان التأليف ضعيفا (نحو ضرب غلامه زيدا) فإذا كان الغلام هو الضارب وعاد منه الضمير على زيد، فقد ذكر ضمير زيد قبل ذكر لفظ زيد حقيقة وتقديرا؛ لأنه فى رتبة التأخير لكونه مفعولا وقبل ذكر معناه، ومع ذلك فليس فى حكم المذكور، فهذا التأليف ضعيف يخل بالفصاحة، وأما إن كان الإضمار بعد الذكر لفظا حقيقة كجاءنى رجل فأكرمته، أو تقديرا كضرب غلامه زيد على أن زيدا فاعل لأنه فى تقدير التقديم، أو كان الإضمار بعد ذكر ما يتضمن معناه كقوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى}⁣(⁣١) فإن الضمير عائد إلى العدل المفهوم من اعدلوا، أو كان المعاد فى حكم المذكور، وذلك بأن لا يتقدم ما يدل على معناه، ولا يتقدم لفظا صريحا أو تقديرا، ولكن المعاد مؤخر مع وجود نكتة فى الإضمار أولا كالإبهام، ثم البيان ليتمكن فى ذهن السامع عند اقتضاء المقام ذلك، كضمير الشأن فى نحو: هو زبد قائم، وضمير رب فى قوله:

  رب فتية دعوت إلى ما ... يورث الحمد دائما فأجابوا⁣(⁣٢)

  فلا ضعف فى كل ذلك، وقد فهم من قولنا: «مع نكتة» أن الفرق بين الإضمار الموجب للضعف والإضمار الحكمى وجود النكتة وعدمها، وإنما جعل متقدما حكما؛ لأن أصل المعاد التقدم، ولما لم يمنع من التقدم إلا وجود النكتة فى التأخر صار فى حكم المذكور أولا فافهم.

  (والتنافر) منها: الذى هو كون النطق بالكلمات ثقيلا على اللسان، إما ثقلا أوجبه التقاء مجموع كل كلمة من مجموع الأخرى (كقوله) أى: جنى صاح على حرب بن أمية فمات فى فلاة، ويسمى نوع هذا الجنى هاتفا:

  وقبر حرب بمكان قفر ... (وليس قرب قبر حرب قبر)


(١) المائدة: ٨.

(٢) البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٣/ ١٩، وشرح شواهد المغنى ص ٨٧٤.