مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فصاحة الكلام

صفحة 120 - الجزء 1

  ولا يخفى ما فيه من التناهى فى الثقل، وإما ثقلا أوجبه اجتماع بعض حروف كل كلمة مع حروف من الأخرى (و) ذلك (كقوله: كريم متى أمدحه أمدحه والورى)⁣(⁣١) أى الخلائق (معى) أى إذا مدحته، مدحته والحال أن الورى معى، وساعدنى الناس جميعا فيه لعموم إحسانه فيهم (وإذا ما لمته) وعبر باللوم في مقابلة المدح - مع أنه إنما يقابل بالذم - تأدبا مع الممدوح وللإيماء إلى أن ذمه إنما هو لوم وعتاب على نحو تفضيل الغير على اللائم، وإلا فلا ذم (لمته وحدى) أى: إذا لمته لم أجد مساعدا، وعبر بإذا التى تستعمل فى التحقيق إيهاما لوجود تحقق الدعوى، وهو وجود اللوم مع عدم مساعد، ولا شك أن تكرار أمدحه أوجب ثقلا من جهة تكرار الحاء والهاء، وأما نفس اجتماع الحاء والهاء بدون تكرار فلا يوجب ثقلا يخل بالفصاحة، فإنه قد وجد فى التنزيل المنزه عما يخل بالفصاحة كقوله تعالى {فَسَبِّحْهُ}⁣(⁣٢) وهذا المثال أحسن مما قبله فى التنافر، فقول من أنشد هذا بين يديه: «أن فى تكرار أمدحه هجنه خارجة عن حد الاعتدال ومنافرة كلية - ليس المراد بذلك كونه فى نهاية عسر النطق، بل زيادته على التنافر المغتفر لوجود ما هو أعسر منه كالبيت السابق (والتعقيد) منها: الذى هو هنا مصدر موافق للمبنى للمفعول، أى: كون الكلام معقدا لا جعله معقدا الذى هو وصف الفاعل، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا هو (أن لا يكون) الكلام (ظاهر الدلالة على) المعنى (المراد) للمتكلم، فيلزم أن يكون المعنى غير ظاهر المدلولية عند السامع، وعدم ظهور المراد من الكلام يكون (لخلل) حاصل (إما فى النظم) والتركيب لذلك الكلام، بأن تكون ألفاظه على خلاف ترتيب المعانى بالتقديم والتأخير مثلا، أو أنقص منها بالحذف الموجب للفساد، أو غير ذلك مما يوجب صعوبة الفهم، كالعطف على التوهم، والجر بالمجاورة مثلا، ويسمى التعقيد الذى أوجبه خلل تركيب اللفظ:


(١) صدر بيت، وعجزه: «معى وإذا ما لمته لمته وحدى»، أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٢٣، وعزاه إلى أبي تمام، وهو كذلك في الإيضاح ص ١٥ بتحقيق د / عبد الحميد هنداوي.

(٢) ق: ٤، الطور: ٤٩.