اللف والنشر
  فيه تفصيل يذكر كل فرد، فيمكن أن يجاء بالنشر على حسب ما كان في اللف، بأن يكون الأول من المتعدد في النشر للأول من المتعدد في اللف، والثاني للثاني وهكذا إلى آخرها، ويمكن أن لا يجاء به كذلك، فالأول من هذين الضربين وهو أن يؤتى بالنشر على ترتيب اللف (نحو) قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} فقد ذكر في هذه الآية الكريمة الليل والنهار، ثم ذكر ما لليل أولا لتقدمه والذي لليل هو السكون فيه والهدوء بالمنام، أو بمجرد ترك الحركات والتصرف ومناسبته لليل ظاهرة، ثم ذكر ما للنهار ثانيا لتأخره وهو ابتغاء فضل الله فيه، أي: طلب رزق الله فيه والمناسبة ظاهرة أيضا، وعليه اتكل في عدم التعيين، فصدق أنه ذكر متعدد على وجه التفصيل والتنصيص على كل، ثم ذكر ما لكل من المتعدد على الترتيب الأول للأول والثاني للثاني من غير تعيين ما لكل، للاتكال على رد السامع ما ذكر في النشر لما ذكر في اللف بالمناسبة المعنوية، فإن قلت: فما معنى اللف في هذا القسم؛ لأن اللف هو الضم والجمع، ولا لف للتفصيل أولا وإنما هنا رد مفصل لمفصل للمناسبة، فالمناسبة أن يقال: رد نشر إلى نشر لا رد نشر إلى لف، قلنا: في النشر بيان بعض أحوال المفصل أولا ففيه زيادة تفصيل له باعتبار أحواله، فناسب أن يسمى لفا؛ لأن الحال المبينة أولا ملفوفة، أي: لم تذكر ولم تنشر لعدم بيانها، وناسب أن يسمى الثاني نشرا، أي: بيانا لما انطوى أولا أي: انبهم، وسمى المنبهم ملفوفا؛ لأن الملفوف منبهم في دخيلائه وسمى المتبين منشورا؛ لأن المنشور تبينت دخيلاؤه فهو من باب تسمية اللازم بالملزوم، وصار حقيقة عرفية فافهم، ثم إن الآية الكريمة ربما يتوهم فيها وجود التعيين لفظا فيما سمى فيها نشرا فلا يكون من هذا الباب لاشتراطنا فيه عدم التعيين؛ وذلك لأن الضمير المجرور في قوله: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} عائد إلى الليل في نفس الأمر قطعا، فقد تعين ما يعود إليه السكون بالضمير، وليس كما تقدم في قولنا: لقيت الشخصين ضاحكا وعابسة؛ لأن التأنيث عارض للفظ، فصار قرينة، واللفظ بنفسه محتمل بخلاف الضمير، فهو عبارة عن معاده؛ فكأنه قيل لتسكنوا في الليل: ولو قيل كذلك، لم يكن الكلام من هذا الباب، ولكن هذا التوهم ضعيف، وقد أجيب عنه بأن