مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فصاحة الكلام

صفحة 126 - الجزء 1

  ويحتمل أن يراد بالمحل الذات وعلى هذا يحترز به عن الذى يقتضيها، لكن باعتبار متعلقه، وعلى هذا يكون مغنيا عن قولنا: اقتضاء أوليا؛ لأنه إنما زيد اقتضاء أوليا ليدخل فى الكيفية نحو العلم بالمعلومات والإرادة للمرادات، فإن العلم باعتبار نفسه لا يقتضى قسمة ولا عدمها، وباعتبار متعلقاته المتعددة يقتضى القسمة، وباعتبار اتحاد متعلقه يقتضى عدمها، فاقتضاؤه للقسمة أو عدمها لا أولا أى: بالذات، بل ثانيا أى: بالعرض، ومما ينبغى التنبه له هنا أن ما وصف به العرض - من اقتضاء القسمة وعدمها، ودخول النسب والإضافات فيه، وانقسام العلم باعتبار العرض - اصطلاح فيلسوفى وإلا فالمعلوم فى العرض اختصاصه بالموجود والنسب والإضافات اعتبارات، والمعلوم فى العرض مطلقا أنه لا يقبل القسمة، ومنه العلم، ثم إن انقسامه على مذهبهم أيضا إنما هو بناء على صحة تعلقه بمتعدد، وأما إن قلنا: إن كل علم يتعلق بغير منقسم لم يتصور ما ذكر، وكان ينبغى تفسير الكيفية بما يفهم عرفا، وهو: أنها صفة وجودية، فإن اختصت بذوات النفوس الناطقية فهى نفسانية، ثم إن رسخت برسوخ أمثالها أى: بتواليها فهى ملكة، فإن هذا أقرب وارتكبت تفسيرها السابق لما فيه من تشحيذ القرائح، بدقته، وهذا كلام عرض فى البين، فلنرجع لتتميم حد المصنف لفصاحة المتكلم فقوله: «يقتدر بها على التعبير» خرج به ملكة يقتدر بها على استحضاره المعانى كالعلم بفن من الفنون، وقال: «يقتدر ولم يقل» يعبر «إشارة إلى أن من فيه الاقتدار على التعبير فهو فصيح، ولو لم يعبر أصلا، والمراد بالقدرة: القريبة لئلا يقال العلم والحياة يقتدر بهما على التعبير؛ لأن الاقتدار بهما ليس بالمباشرة، بل بتوسط سليقة عربية أو تعلم وممارسة وقوله: «بلفظ فصيح» إنما لم يقل «بكلام فصيح» لئلا يتوهم اختصاص المقصود المعبر عنه بالمعنى الإسنادى، فالتعبير عن المقصود الإسنادى هو الإخبار عن قيام زيد بقولنا: زيد قائم وهو ظاهر والتعبير عن المقصود الذى ليس بإسنادى، كأن يتعلق الغرض بمعرفة الناطق أو السامع عدد أشياء مختلفة وأسماءها فيقال: بساط، ثوب، فرس، سيف، إلى آخرها، فالغرض من ذكرها معرفة عددها وأسمائها، ولا يحتاج إلى تمحل تقدير مبتدأ وخبر لها ليلزم كون المقصود تركيبا إسناديا دائما، وإن كان هو مقتضى الصناعة النحوية؛ لأن