مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فصاحة الكلام

صفحة 125 - الجزء 1

  بدليل وجودهما فى القرآن العزيز من غير إخلالهما بالفصاحة إجماعا لعدم الثقل فتتابع الإضافات فى قوله تعالى: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ}⁣(⁣١) وكثرة التكرار فى قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحاها}⁣(⁣٢) إلى آخر السورة، وفى الحديث فى وصف يوسف - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم⁣(⁣٣) وهذا الحديث الشريف اشتمل على كثرة التكرار وعلى تتابع الإضافات؛ لأن الإضافات تشمل كما تقدم: المتداخلة بأن يكون الأول مضافا للثانى، والثانى للثالث كمثال المصنف، وغير المتداخلة: كالحديث (و) الفصاحة الكائنة (فى المتكلم) هى (ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح) فالملكة جنس فى الحد، فلا يفهم إلا بفهمها، وهى عرض لا يتوقف تعقله على تعقل غيره، ولا يقتضى القسمة ولا عدمها فى محله اقتضاء أوليّا، فخرج بقولنا: «لا يتوقف تعقله على تعقل غيره» الأعراض النسبية كالأبوة والبنوة والفعل وهو كون الشيء مؤثرا فى غيره مادام مؤثرا والانفعال: وهو كون الشيء متأثرا لغيره مادام متأثرا ونحو ذلك كالأين: وهو حصول الشيء فى المكان، والمتى: وهو حصول الشيء فى الزمان، وغير ذلك، وخرج بقولنا: ولا يقتضى القسمة ما يقتضى القسمة لذاته كالكليات: مثل العدد والمقدار من الطول والعرض والعمق، وخرج بقولنا: ولا عدم القسمة ما يقتضى عدمها، كالنقطة التى هى مبدأ الخط، وهو مقدار لا يقبل القسمة إلا فى جهة واحدة، ومبدؤه وهو النقطة لا تقبل القسمة لذاتها، والوحدة: كون الشيء لا يقبل القسمة بوجه، فمفهوم كون الشيء لا يقبل القسمة الذى هو الوحدة هو ما لا يقبلها لذاته أيضا، وقولنا: فى محله تصوير أى: لا يقبل العرض القسمة ولا عدمها فى محله، لكن هذا يخالف قولهم: إن المقدار يقبلها من غير اعتبار محله، فهذا القيد لا فائدة له على هذا لأن القابل فى المحل قابل لذاته وإلا فلا.


(١) غافر: ٣١.

(٢) الشمس: ١.

(٣) أخرجه البخارى في كتاب أحاديث الأنبياء، حديث رقم ٣٣٩٠، ومسلم، حديث رقم ٢٣٧٣.