مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تأكيد المدح بما يشبه الذم

صفحة 581 - الجزء 2

  فيه من الأوصاف، إلا إن كان الكرم عيبا وهو محال بخلاف قولنا أنا أفصح الناس بيد أني من بني فلان الفصحاء، فلا معنى للتعليق فيه فإن قلت: ما المانع أن يقدر في المثال وشبهه إلا أن يكون كوني من بني فلان مخلا بالفصاحة، فيثبت لي إخلال بها، فحينئذ يفيد التأكيد من الوجه الأول أيضا؟ قلت: يمنع من ذلك كون ذلك غير معتبر في استعمال البلغاء، وإلا لصرح به يوما ما ولو قيل: أنا أفصح الناس إلا أني من بني فلان إن كان ذلك مخلا بالفصاحة، كان ركيكا، بخلاف التعليق بعد العموم كما تقدم.

  فإن قلت قد بين المصنف أن إفادة التأكيد بالوجه الثاني متوقف على كون الأداة للاستثناء؛ ليستشعر أصله من الاتصال فيستشعر أنه ما عدل عنه إلا لعدم إمكانه، فيجيء التأكيد وهو متوقف على تأويل، نحو: أنا الناس أفصح إلا أني من بني فلان على تقدير العموم، أي: لا شيء يخل بفصاحتي، وإذا قدر كذلك أفاد التأكيد بالوجه الأول أيضا؛ لأنه إن لم يقدر العموم هكذا فإما يقدر عموم الإثبات أي: لي كل موجب للفصاحة إلا هذا، وهو تناقض وإن لم يقدر العموم أصلا كان من باب ذكر المدح بعد المدح، كأن يقال: أنا أفصح الناس وأنا لي موجب زيادة الفصاحة، وليس هذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم في شيء. قلت من حيث إن الأداة أداة الاستثناء يراعى لها ما يصحح أصلها من الاتصال، فيقدر العموم فتفيد بالوجه الثاني.

  ومن حيث إن العموم لم يوجد في اللفظ ألغى تقديره المصحح للإفادة بالوجه الأول؛ لما فيه من التحمل كما تقدم. فلم تفد بالأول تأمل. وقد أطلت هنا لما رأيت من الحاجة لهذه المباحث في تحقيق المحل والله الموفق.

  (ولهذا) أي: ولأجل أن التأكيد في هذا الضرب الذي هو أن يثبت لشيء صفة مدح، وتعقب تلك الصفة بآلة الاستثناء بعدها صفة مدح لذلك الشيء، إنما يكون ذلك التأكيد من الوجه الثاني فقط، وهو الإشعار بأنه طلب صفة ذم، فلم يجدها، فاضطر لاستثناء صفة مدح (كان) أي ولأجل ذلك كان الضرب (الأول) المفيد للتأكيد من الوجهين أحدهما ما ذكر، والآخر ما تقدم، وهو ما فيه من كون التعليق فيه كدعوى الشيء ببينة (أفضل)، أي لأجل ذلك كان الأول أفضل من الثاني (ومنه) أي