مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

بلاغة الكلام

صفحة 129 - الجزء 1

  خلافه بدلا عن الوصل كما قال فيما قبله؛ لأن الوصل نفس الخلاف، وهو أوضح منه؛ ولأنه أيضا أخصر منه، أما كونه أوضح فظاهر، وأما كونه أخصر؛ فلأن خلافه فيه كلمتان، والوصل كلمة واحدة، وحرف التعريف منه كالجزء، ثم أشار إلى ما يتعلق بهما معا فاصلا له لعظم الشأن أيضا فقال: (ومقام الإيجاز) وهو إقلال اللفظ مع كثرة المعنى (يباين مقام خلافه) وهو الإطناب الذى هو أن يزاد فى الكلام على أصل المراد لفائدة، والمساواة التى هى أن لا يزاد عليه ولا ينقص، ولا يخفى أن هذه الثلاثة تجرى فى الأجزاء وفى الجمل (وكذا خطاب الذكى مع خطاب الغبى) فإن مقام الذكاء يناسبه من اللطائف والدقائق الخفية الحاصلة فى نفس المعانى المرادة أو بالتلطف فى التعبير بالمجازات والكنايات والإيجازات ما لا يناسب مقام الغباوة من المعانى البادية لظهورها فى نفسها، أو بالإيضاح بالعبارات الحقيقية المتداولة (و) كذا (لكل كلمة) ركبت (مع صاحبتها مقام) يناسب ذلك التركيب، ليس لتلك الكلمة مع صاحبة لها أخرى مما هى من جنس الصاحبة الأولى، مثلا الفعل مع «إن» من أدوات الشروط التى هى فى الأصل للشك فى مدخلها له مقام معها يباين مقامه مع «إذا» التى الأصل فيها الجزم بوقوع الشرط، وكذا أداة الشرط التى هى «إن» مثلا لها مقام مع الماضى يباين مقامها مع المضارع، وكذا المسند إليه له مع المسند الفعلى مقام يباين مقامه مع المسند الأسمى، وهكذا كل كلمة مع غيرها لها مقام معها لا يكون لها مع غيرها مما يشارك تلك فى أصل المعنى، ثم أشار إلى ما يعرف به اتحاد مقتضى الحال والاعتبار المناسب، وأن من عبر بأحدهما فلا يريد غير المعنى الآخر كما قد يتوهم بقوله: (وارتفاع شأن الكلام) الفصيح؛ لأن غير الفصيح لا رفعة له ولا حسن (فى الحسن) الذاتى: وهو الحاصل بالبلاغة، إذ لا عبرة بحسن المحسنات البديعية الذى هو العرض بدون الذاتى (والقبول) عند البلغاء.

  وقوله (بمطابقته) أى: الكلام الفصيح، هو خبر ارتفاع (للاعتبار) أى للأمر المعتبر (المناسب) للمقام الذى هو الحال يقال: اعتبرت الشيء راعيته ونظرت لحاله مهتما به لا ملغيا له (وانحطاطه) أى: انحطاط شأنه (بعدمها) أى بعدم مطابقة الكلام للاعتبار المناسب، واعتبار المناسبة يوجد بحقيقته ويحصل، كما ينبغى من البليغ بالسليقة