بلاغة الكلام
  أى الطبيعة العربية أو بالممارسة لتراكيب البلغاء والتتبع لخواصها، ويؤكد ذلك ممارسة هذا الفن وإضافة الارتفاع، وهو مصدر إلى معرفة حال كونه مبتدأ مما يفيد الحصر كقولك: ضربى زيدا فى الدار فيفيد هذا الكلام أن لا ارتفاع لشأن الكلام فى الحسن الذاتى إلا بمطابقته للاعتبار المناسب، وقد علم أنه لا يرتفع إلا بالبلاغة التى هى المطابقة لمقتضى الحال، فلما انحصر الارتفاع في مطابقة الاعتبار وقد حصر فى مطابقة المقتضى لزم اتحادهما أو تساويهما إذ لو تباينا لم يصح أحد الحصرين، إذ لو قيل: لا يكرم زيدا إلا عمرو، ولا يكرمه إلا خالد بطل الحصران معا، وكذا إن كان بينهما عموم ما يبطل أحدهما، إذ لو قيل مثلا: لا يحصل التنفس إلا بالإنسانية ولا يحصل إلا بمطلق الحيوانية بطل الحصر الأول لصحة حصول التنفس على مقتضى الحصر الثانى العام بحيوانية لا إنسانية معها، والحصران فى الارتفاع صدقا معا، فوجب كون الاعتبار المناسب ومقتضى الحال متحدين أو متساويين بحيث يصدق أحدهما على الآخر، وإلا بطل أحد الحصرين وهذا معنى قوله: (فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب) أى: فلا يتوهم أنهما شيئان، وهو ظاهر، وقد تبين بما ذكر من كون ارتفاع الكلام بدلالته على الاعتبار المناسب أن البلاغة يوصف بها اللفظ باعتبار المعنى، فأشار إلى ترتيب ذلك على ما تقدم لدفع ما يتوهم من التناقض فى كلام صاحب دلائل الإعجاز؛ لأنه تارة يصف البلاغة باللفظ وتارة يصف بها المعنى وتارة ينفيها عن اللفظ، وتارة ينفيها عن المعنى.
  فقال: (فالبلاغة راجعة إلى اللفظ) فيصح وصفه بها فيقال: هذا اللفظ بليغ، ولكن وصفه لا باعتبار كونه لفظا ومجرد صوت، ولا باعتبار أنه دل على المعنى الأول الذى هو مجرد إفادة النسبة بين الطرفين على أى وجه كانت تلك النسبة، فإن هذا المعنى مطروح فى الطريق يتناوله الأعرابى والأعجمى والبدوى والقروى، فلا يوصف اللفظ من أجل الدلالة عليه بالبلاغة، وإنما يوصف بها (باعتبار إفادته) أى اللفظ (المعنى) الثانى وهو الخصوصية التى تناسب المقام، ويتعلق بها الغرض لاقتضائها المقام، كالتأكيد بالنسبة للإنكار، وكالإيجاز فى الضجر، وكالإطناب فى المحبوبية، وغير ذلك من الإعتبارات والخصوصيات الزائدة على أصل المراد.