بلاغة المتكلم
  إلى الغنى أى: الغنى هو الذى يجب حصوله ليمكن الجود، وليس الكلام على معنى قولهم: مرجع كذا إلى كذا بمعنى: مآله إليه الذى هو الغالب فى الاستعمال، كقولنا: مرجع الجدال إلى فساد القلوب أى: مآله لأن الاحتراز يجب سبقه البلاغة وليس علة غائية له (و) علم أيضا مما تقدم أن مرجع البلاغة (إلى تمييز) الكلام (الفصيح من غيره) وفى ضمن تمييز الكلام الفصيح تمييز الكلمات الفصيحة، لاشتراط فصاحتها فى الكلام، وذلك لأن الفصاحة شرط فى البلاغة، فلا بد من حصول الشرط ليحصل المشروط، فإذا لم يميز الفصيح وأتى بالكلام اتفاقيا أمكن أن يؤتى به غير فصيح، فلا تحصل البلاغة وإن اتفقت مطابقة ذلك الكلام لمقتضى الحال، بل الغالب عند عدم التمييز عدم الفصاحة، ثم إن بيان أن مرجع البلاغة إلى الاحتراز والتميز المذكورين تمهيد لبيان وجه الحاجة إلى هذا العلم؛ لأنه إذا علم ما يحتاج إليه فى حصول البلاغة، وعلم أن بعض ما يحتاج إليه مدرك بعلوم أخرى وبعضه بالحسن والنظر افتقر فيما لم يدرك إلى علم يحقق به فيكون ذلك العلم قد مست الحاجة إليه. وهو هذا الفن بقسيمه وإلى هذا أشار بقوله:.
  (والثانى) من مرجعى البلاغة وهو: تمييز الفصيح من غيره (منه ما يبين فى علم متن اللغة) يعنى: أن تمييز الفصيح من غيره لما كان موقوفا على معرفة الأمور المنافية للفصاحة، احتيج إلى ما يتوصل به إلى معرفة تلك الأمور، فمن تلك الأمور ما يتبين فى العلم المسمى بعلم متن اللغة أى: معرفة أوضاع المفردات اللغوية، ويسمى هذا العلم علم المتن، لأن المتن: هو ظهر الشيء ووسطه وقوته، وهذا العلم تعلق بذات اللفظ ومعناه، والعلوم المتعلقة باللغة غير هذا العلم - كالنحو مثلا - تعلقت بالألفاظ لا من حيث المعنى الموضوع له اللفظ، وما تعلق بالمعنى أقوى؛ لأن الناس إلى إدراك المعنى أحوج، والمتبين فى هذا الفن دون غيره مما ينافى الفصاحة فيحصل بإدراكه تمييز الفصيح من غيره هو الغرابة لا يقال: لا يذكر فى هذا الفن: أن هذا اللفظ غريب وهذا ليس بغريب، فلا تدرك الغرابة فى علم متن اللغة، لأنا نقول: معنى الإدراك: أن من أحاط علما بما فى الكتب المتداولة، ومارس ما دون فيها من الألفاظ المأنوسة الاستعمال، بعد