مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

بلاغة المتكلم

صفحة 135 - الجزء 1

  أن تقرر عنده أن ما يوجد فى هذه الكتب وأمثالها هو المأنوس المشهور، انتقل ذهنه إلى أن غير ما وجد ههنا مما يفتقر إلى التنقير والتفتيش عنه فى الكتب المطولة المبسوطة، التى لم تختص بالمشهور كتكأكأتم، وافرنقعوا، أو إلى تخريج غير مأنوس كمسرج، فهو غير سالم من الغرابة؛ لأن بأضدادها تتبين الأشياء، ومعلوم أن كل مخرج على غير ما يشتهر يفتقر إلى التنقير عنه فى الكتب المبسوطة، وأما المخرج على المعهود فهو يوجد غالبا فى الكتب المتداولة، فذكر الحاجة إلى التنقير المذكور يغنى عن ذكر التخريج المذكور، إلا أن ذكره أبين، ولا ينحصر البيان فى التنصيص على الغرابة مثلا، أو ما ينزل منزلة التنصيص، كأن يقال: هذا مما يبحث عنه فى الكتب المبسوطة حتى يرد البحث فليتأمل.

  (أو التصريف) أى: ومن تلك الأمور المنافية للفصاحة التى يتوقف تمييز الفصيح من غيره على إدراكها ما بين فى علم التصريف، كمخالفة القياس فى بنية الكلمة؛ إذ به يعرف أن الأجلل بفك الإدغام مخالف للقياس، وإنما القياس فيه الإدغام.

  (أو النحو) أى ومن تلك الأمور ما يعرف بعلم النحو، كضعف التأليف فى نحو: ضرب غلامه زيدا، على أن زيدا مفعول، فإن الإضمار قبل الذكر ههنا ضعيف كما تقدم، وكالتعقيد اللفظى كما تقدم فى قوله: وما مثله فى الناس إلا مملكا الخ كذا قيل، وفيه نظر؛ لأن الأمور الموجبة للتعقيد اللفظى إن كان اجتماعها يوجب ضعف التأليف، فذكر ضعف التأليف يغنى عن ذكر التعقيد اللفظى، وقد تقدم عند هذا القائل أنه لا يستغنى به عنه، وإن لم يوجب اجتماعها ضعف التأليف لم يعرف التعقيد بالنحو؛ إذ غاية ما يدرك بالنحو جريان هذا التركيب مثلا على القانون المشهور أو عدم جريانه. وقد يجاب على هذا بأن مما يدرك بالنحو كون هذا أصلا كتقديم الفاعل على المفعول، وكون هذا خلافه كالعكس، فيكون ذلك ذريعة إلى أن اجتماع أمور هى خلافات الأصل ولو كانت كلها جائزة، مما يوجب صعوبة الفهم؛ لأن الخروج عن الأصل من أوجه كثيرة غير مطبوع، فيوجب صعوبة الفهم، وهو التعقيد اللفظي، لكن العلم بهذا من النحو قد يدعى خفاؤه فلا يغنى عن غيره فيه (أو يدرك بالحس) أى: ومن تلك الأمور ما يدرك بالحس، أى: بالطبع النطقى والاستثقال اللفظى، إذ بذلك يعرف