مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الإلمام والسلخ

صفحة 665 - الجزء 2

  وهو الجهام أي السريع سيرا أقلها نفعا، فكذلك العطاء بطيئه أكثر نفعا فكان تأخر عطائك أفضل من سرعته، ولا يخفى أن البطء في السحاب خلاف البطء في العطاء؛ لأنه فى السحاب في مسيره، وفى العطاء فى عدم ظهوره في زمان انتظاره مع أن الأول يفيد أن الريث، أى: البطء أنفع في بعض المواضع دون بعض، والثاني يفيد أنه من الممدوح لا يكون إلا خيرا، وهو آكد فى المدح وأما الأول فيشعر بأنه قد يكون من الممدوح خيرا، وقد لا، فحيث يستحي مثلا لتأخر العطاء حياء يوجب الزيادة يكون خيرا، وحيث لا يكون مثلا كذلك لا يكون أنفع بخلاف البيت الثاني، وقوله: هو الصنع، الضمير للشأن، أي: الشأن هو هذا، وهو قوله: الصنع، أي: الإحسان أن يعجل فخير، وإن يرث أي يبطئ فقد يكون أنفع، ويحتمل أن يكون عائدا على حاضر في الذهن يفسره الصنع، والجملة بعده مستأنفة، وعود الضمير على ما في الذهن صحيح، إلا أنه تارة يتعين كما في قوله: «هو الهجر حتى ما يلم»، أي: ما ينزل، «خيال» من هذا الذي يهجرنا، «وبعض صدود الزائرين وصال» أي: لم ننل ممن هجرنا حتى الصدود؛ لأنا لا نلقاه لا يقظة ولا مناما، والصدود قد يعد وصالا بالنسبة لمثل هذا الهجر، وتارة لا يتعين كما في قوله: هو الصنع إن يعجل إلخ، وإنما قلنا: يتعين في قوله هو الهجر؛ لأنه لو جعلناه للشأن احتاج إلى جملة يخبر بها عنه، ولا جملة كذلك في قوله هو الهجر إلخ، ومثله {إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا}⁣(⁣١) أي: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ولا يصح أن يكون الضمير للشأن هنا، وهذا الإعراب، أعنى جعل الضمير عائدا على حاضرة في الذهن لطيف لا يكاد يتنبه له إلا الأذهان الرائضة، أي: المرتضاة بالإعراب من أئمة العربية؛ لأن التفطن لحاضر ذهنا يلتئم الكلام فيه، ويحسن بحيث يفيد الكلام معه فائدة البيان بعد الإجمال، ويصح به المعنى مما يدق، ولا ينتبه له كل أحد وهو حيث يتأتى الإعراب بضمير الشأن أفضل من الإعراب بالإضمار الشأني؛ وذلك لأن ضمير الشأن خلاف الأصل، لكونه ملازما للإفراد، وملازما للإخبار بالجملة، وكونه لازما للابتداء أو الناسخ فلا يعمل فيه غيرهما، وكونه لا يتبع وعوده على ما بعده، وفائدته


(١) الأنعام: ٢٩.