مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الإلمام والسلخ

صفحة 666 - الجزء 2

  التي هي الإجمال ثم التفصيل موجودة في هذا الأخير مع زيادة إفادة حكمين؛ لأن قوله: هو الصنع إن يعجل فخيرا إلخ يفيد إثبات الصنيعة وإثبات ذلك الصنع إن يعجل فكذا، وإن يرث فكذا بخلاف ما لو جعل شأنيا.

  وثانيها: أي: ثاني الأقسام الكائنة للكلام الذي فيه أخذ المعنى وحده وهو ما يكون أدنى من الكلام الأول المأخوذ منه في البلاغة (كقول البحتري: وإذا تألق)⁣(⁣١) أي: لمع (في الندى) أي: مجلس الاجتماع للتحدث (كلامه المصقول) أي: المنقح المصفى من كل ما يشينه (خلت) أي: حسبت (لسانه من عضبه) أي: من سيفه القاطع، هذا الكلام الأول (وقول أبي الطيب كأن ألسنهم في النطق)⁣(⁣٢) أي: عند النطق (قد جعلت على رماحهم في الطعن) أي: عند الضرب بالقنا (خرصانا) مفعول ثان لجعلت، وهو جمع خرص بضم الخاء وكسرها وهو سنان الرمح هذا هو الكلام الثاني، ولا شك أن كلا منهما تضمن تشبيه اللسان بآلة الحرب في النفاذ والمضي، وإن كانت الآلة المعتبرة في الأول السيف والآلة المعتبرة في الثاني الرمح، ولكن بيت البحتري أجود؛ لأنه نسب فيه التألق والصقالة للكلام، وهما من لوازم السيف على حد ذكر المنية والأظفار، فكان في كلامه استعارة بالكناية فيما يتعلق بالمشبه، فازداد بهذا حسنا بخلاف كلام المتنبي، مع أن في بيت المتنبي قبحا من جهة أخرى، وهو أن المتبادر من كلامه أن ألسنهم قطعت وجعلت خرصانا، وفيه من القبح ما لا يخفى، وفي الأول أيضا الدلالة على التشبيه بفعل الظن، وهو أقوى من الدلالة بكأن، فإن قلت: ليس في كلام البحتري استعارة بالكناية، وإنما فيه ترشيح بالتشبيه؛ لأن المشبه بالسيف في الحقيقة هو الكلام لا اللسان؛ لأن الموصوف بوجه الشبه وهو النفوذ والتأثير فيما يتعلق به هو الكلام لا اللسان، قلت: على تقدير تسليمه يلزم أن يكون أجود من بيت المتنبي بترشيح التشبيه كما زعمت على أنا لا نسلم أن التشبيه ليس للسان، بل هو باعتبار تلبسه بما يوجب التأثير والمضاء


(١) البيت للبحترى، فى عقود الجمان (٢/ ١٧٩).

(٢) البيت للمتنبى فى شرح ديوانه (١/ ٢٢٨)، وشرح عقود الجمان (٢/ ١٧٩).