مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

بلاغة المتكلم

صفحة 136 - الجزء 1

  تنافر حروف «مستشزرات» وكلمات قوله فيما تقدم: «وليس قرب قبر حرب قبر» (وهو ماعدا التعقيد المعنوى) يعنى: أن كل ما يخل بالفصاحة مما سوى التعقيد المعنوى يدرك بأحد تلك العلوم، أو يدرك بالحس، وأما التعقيد المعنوى: وهو مما يخل بالفصاحة فلا يدرك بأحد تلك العلوم ولا بالحس، فمست الحاجة إلى فن يعرف به التعقيد المعنوى ليكمل العلم بأحد مرجعى البلاغة، وهو تمييز الفصيح عن غيره، وأما المرجع الآخر وهو الاحتراز عن الخطأ فلم يدرك منه شيء بالعلوم ولا بالحس، فمست الحاجة إلى فن ثان يعرف منه ما يحترز به عن الخطأ فى التأدية، وإنما مست الحاجة إلى ما تكمل به معرفة البلاغة؛ لأن معرفتها وسيلة لمعرفة أن القرآن معجز فى بلاغته، وإدراك إعجاز القرآن المقوى للإيمان نهاية الأمل وغاية ما يستعمل فيه الإنسان الكد فى العمل. فالضمير فى قوله: وهو ماعدا الخ عائد على ما يدرك بأحد تلك العلوم أو يدرك بالحس، وليس عائدا على ما يدرك بالحس فقط، لأن ذلك يقتضى أن ماعدا التعقيد المعنوى مما يخل بالفصاحة مدرك بالحس، وذلك يقتضى أن تلك العلوم لا يحتاج إليها فى إدراك شيء مما عدا التعقيد المعنوى، وإن الحس كاف فيه، وهو مناقض لما قبله، إلا أن يقدر أن المعنى: ما عدا التعقيد مما لا يدرك بتلك العلوم، وهو تكلف، ولهذا قيل: إنه سهو ظاهر ثم أشار إلى تسمية الفنين اللذين أنتج ما تقدم مس الحاجة إليهما فى تكميل إدراك مرجعى البلاغة فقال: (وما يحترز به عن الأول) أى: والعلم الذى به يدرك ما يحترز به على الخطأ فى تأدية المعنى المراد هو: (علم المعانى) وسمى علم المعانى؛ لأن ما يدرك به معان مختلفة زائدة على أصل المراد (وما يحترز به عن التعقيد المعنوى) أى: والعلم الذى يدرك به ما يقع به الاحتراز عن التعقيد المعنوى هو (علم البيان) وسمى علم البيان؛ لأن له مزيد تعلق بالوضوح والبيان، من حيث إن علم البيان به يعرف اختلاف طرق الدلالة فى الوضوح والبيان على ما يأتى فى تعريفه، ويسمى العلمان علمى البلاغة؛ لأن لهما مزيد اختصاص بالبلاغة، أما فى المعانى فواضح؛ لأن به يعرف ما يطابق به الكلام مقتضى الحال من حيث هو كذلك على ما يأتى والبلاغة: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وأما فن البيان؛ فلأنه وإن كان مفاده وثمرته معرفة ما يزول به