مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

القلب

صفحة 672 - الجزء 2

  وروى أنه أطلقه من السجن لما سمع الأبيات، وهذا البيت هو الأشمل، الثاني وهو يفيد أنه أقام الممدوح مقام جميع العالم لجمعه جميع أوصافه، فهو أشمل مما في بيت البحتري لاختصاصه بإقامة الممدوحين مقام الناس في الرضا والغضب، وهو أفاد إقامة واحد مقام جميع الناس في كل شيء، ولا يخفي خفاء الأخذ بينهما، فإنه لو لا اعتبار اللوازم الخفية ما فهم انتشاء الأول من الثاني - كما قررنا - ولم يتعرض للعكس وهو أن يكون الأول أشمل مع إمكانه، وكأنه لعدم وجدان مثاله.

القلب

  (ومنه) أي: ومن غير الظاهر (القلب وهو) أي: القلب (أن يكون معنى) البيت (الثاني نقيض معنى) البيت (الأول) كأن يقرر البيت الأول حب اللوم في المحبوب لعلة، ويقرر الثاني أنه مذموم لعلة أخرى، فيكون التناقض والتنافي بين البيتين بحسب الظاهر، وإن كانت العلة تنفي التناقض؛ لأنها مسلمة من الشخصين فيكون الكلامان غير كذب معا، ومعلوم أن من كانت عنده العلة الأولى صح الأول باعتباره، ومن كانت عنده الثانية صح الكلام باعتباره؛ فالتناقض في ظاهر اللفظين، والالتئام باعتبار العلل والمحال، وذلك (كقوله: أجد الملامة)⁣(⁣١) أي: اللوم والإنكار على (في هواك لذيذة) أي: أجد لذلك اللوم فيك لذة، لتناهى حبي فيك، حتى صرت أتلذذ بمطلق ذكرك على أي وجه كان، وإلى هذا أشار بقوله (حبا) أي: إنما وجدتها لذيذة لأجل حبي (لذكرك) على أي وجه كان (فليلمني اللوم) جمع لائم، وهذا هو الأول المنقوض (وقول أبي الطيب:

  أأحبه وأحب فيه ملامة ... إن الملامة فيه من أعدائه)⁣(⁣٢)

  وهذا هو الثاني الناقض للأول، وإنما كان اللوم فيه من العدو؛ لأن الحب يتضمن كمال المحبوب ورفعته، واللوم على أمر فيه تعظيم لأحد، وكمال لا يكون إلا من عدوه المبغض له، وإن كان يمكن أن يكون اللوم رفقا بالملوم وإبقاء عليه، لكنه خلاف الأصل بل لا يسمى في الحقيقة لوما، بل عزاء وحملا على التصبر بالتقصير،


(١) البيت لأبى الشيص، أورده الجرجانى فى الإشارات ص (٣١٤)، والإيضاح (٣٤٨).

(٢) البيت لأبى الطيب فى ديوانه (١/ ١)، والإشارات ص (٣١٤)، وشرح عقود الجمان (٢/ ١٨٠).