مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

القلب

صفحة 673 - الجزء 2

  والواو في: وأحب فيه ملامة يحتمل أن تكون واو الحال من غير تقدير المبتدأ على مذهب من يجوز موالاة المضارع المثبت واو الحال، أو بتقدير المبتدأ على مذهب من لا يجوز، أي: كيف أحبه مع حبي فيه الملامة، فالمنكر في الحقيقة هو مصاحبة تلك الحال لا كونه يحبه، مع مفارقة حبه لمضمون هذه الحال، كما يقال: أتصلى وأنت محدث؟ فالمنكر هو وقوع الصلاة مع الحدث لا وقوع الصلاة من حيث هي، وكما نقول أتتكلم وأنت بين يدي الأمير؟ فالمنكر هو كونه يتكلم مع كونه بين يدي الأمير، ويحتمل أن تكون تلك الواو للعطف، والعطف بالواو وإن كان لا يقتضي المعية، لكن يقتضي الاجتماع في الحكم، فحبه وحب اللوم فيه يقتضي عطف أحدهم على الآخر، اجتماعهما في الوقوع من شخص واحد وهو الحكم، وهذا الاجتماع هو محط الإنكار أي: كيف يجتمع حبه وحب اللوم في الوقوع منى؟ وهذا النوع الأحسن فيه بيان العلة، بل لا بد فيه من بيانها؛ لأنه إن لم يبينها فهو دعوى للنقض بلا بينة، وهو غير مسموع، فلو قال هنا: أأحبه وأحب فيه ملامة، كان دعوى لعدم الصحة بلا دليل ولا يفيد، بل الكلام المنقوض ينبغي فيه بيان العلة أيضا؛ لأن هذا المنزع أخرج لباب المعارضة والإبطال، وهو يفتقر لدليل التصحيح والإبطال، فناسب الإتيان بالعلة من الطرفين، فلا بد منها إلا أن تكون ظاهرة كقول أبي تمام:

  ونغمة معتف جدواه أحلى ... على أذنيه من نغم السماع⁣(⁣١)

  والمعتفي الطالب، والجدوى النفع، والسماع أريد به ما يحسن سماعه كالعود، ومعنى البيت أن هذا الممدوح لفرط محبته للكرم والإعطاء تصير عنده نغمة السائل لحب سؤاله لإعطائه أحلى من نغمات العود ونحوه، وهذا الحكم علته ظاهرة، وهى حب الإعطاء والكرم، فإنه هو السبب في كون نغمة السائل كنغمة العود، وقد ناقضه المتنبي بقوله:

  والجراحات عنده نغمات ... سبقت قبل سيبه بسؤال⁣(⁣٢)


(١) البيت لأبى تمام، فى الإيضاح ص (٣٤٨)، وشرح المرشدى على عقود الجمان (٢/ ١٨٠).

(٢) البيت للمتنبى، فى الإيضاح ص (٣٤٨)، وشرح المرشدى (٢/ ١٨٠).