الأخذ والتحسين
  وراءنا تابعة لنا (رأي عين) أي: معاينة، وإنما أكد قوله: ترى، بقوله رأي عين، لئلا يتوهم أنها بحيث ترى بالنسبة لمن أمعن النظر بتكلف لبعدها، ولئلا يتوهم أن المعنى أنها لما تبعتنا كأنها رؤيت، ولو لم تر لبعدها؛ لأنه يقال: ترى فلانا يفعل كذا، بمعنى أنه: يفعله، فهو بحيث يرى في فعله لو لا المانع.
  (ثقة) مصدر بمعنى اسم الفاعل وهو حال من الطير أي: تراها حال كونها واثقة، ويحتمل أن يكون مفعولا من أجله من العامل المتضمن للمجرور الذي هو على آثارنا، أي: ترى الطير كائنة على آثارنا؛ لأجل وثوقها (أن ستمار) فكان ثقة على هذا جوابا لسؤال مقدر؛ إذ كأنه قيل لماذا كانت الطيور على آثاركم؟ فقال: كانت على آثارنا وتبعتنا لثقتها بأن ستمار، أي: بأنها ستطعم من لحوم القتلى، يقال: ماره أتاه بالميرة، أي: الطعام وأطعمه إياه، هذا هو المأخوذ منه (وقول أبي تمام: وقد ظللت)(١) بالبناء للمجهول (عقبان) نائب فاعل ظللت، أي: ألقي الظلل على عقبان (أعلامه ضحى) وإضافة عقبان إلى الأعلام من إضافة المشبه به إلى المشبه أي: الأعلام التي هي كالعقبان في تلونها وفخامتها، فالمراد بالعقبان: الأعلام نفسها، وقيل: الإضافة على أصلها من مباينة الأول للثاني، والمراد بعقبان الأعلام الصور التي على حد الأعلام من ذهب أو فضة أو غيرهما، وهذا يتوقف على أن تلك الصور صنعت على هيئة العقبان ولم يثبت (بعقبان) متعلق بظللت أي: ظللت عقبان الأعلام بعقبان (طير) لأنها لزمت فوق الأعلام، فألفت ظلها على الأعلام، ومن وصف عقبان الطير أنها (في الدماء نواهل) أي: نواهل في الدماء، ونواهل جمع ناهل اسم فاعل من نهل إذا روى ضد عطش، وهذه الحال يحتمل أن تكون على طريق التقدير أي: يؤول أمرها حال تظليلها الأعلام إلى أن تكون بعد أن تضع الحرب أوزارها، أو بعد وقوع القتلى، أو لها نواهل في الدماء، فكأنه يقول: ظللنها لرجائها النهل في الدماء، ويحتمل أن تكون حقيقة، وأنها تلزم الأعلام حال كونها قد نهلت في الدماء، ويلزم أنها شبعت من اللحوم وإنما لزمت حينئذ لتتوقى لحوم القتلى المتأخرة بعد شبعها من الأوائل والأول أنسب بحال الطير
(١) البيت لأبى تمام فى ديوانه ص (٢٣٣)، والإشارات (٣١٤)، وشرح عقود الجمان (٢/ ١٨٠).