مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الأخذ والتحسين

صفحة 676 - الجزء 2

  (أقامت) تلك العقبان (مع الرايات) أي: الأعلام وثوقا بأنها ستطعم لحوم القتلى ثانيا أو ابتداء على التقديرين (حتى كأنها* من الجيش) أي: لزمن الرايات، حتى صارت من شدة اختلاطها برؤوس الرماح والأعلام من أفراد الجيش، ومن أجزائه فلما صارت كأنها من أفراد الجيش حسن أن يقدر أنها أعانت الجيش وقاتلت معه فلذلك استدرك فقال (إلا أنها لم تقاتل) أي: لكنها لم تباشر القتال، ثم بين ما أسقطه أبو تمام من المعنى الكائن في البيت المأخوذ منه، وما زاده فحسن به أتى به من ذلك المعنى بقوله (فإن أبا تمام) أي: إنما كان كلام أبي تمام بالنسبة لكلام غيره السابق مما ذكرناه لان أبا تمام (لم يلم) أي: لم ينزل ولم يأت (بشيء من معنى قول الأفوه: رأي عين) الدال على كمال قرب الطير من الجيش بحيث ترى عيانا لا أنها ترى على سبيل التخيل، بأن يكون ثم من البعد ما يوجب الشك في المرئي هل رئي أم لا؟ أو يوجب عدم الإبصار فيعود معنى الرؤية إلى ظن الوجود، أو تيقنه.

  وكون الطيور قريبة بحيث ترى معاينة يدل على أن كمال شجاعتهم وقتلهم للأعادي عادة مستمرة، حتى صارت الطيور عند التوجه تتيقن ذلك، وتهوى إلى قرب النزول؛ لأن ما سيحصل عندها لاعتياده كالحاصل، ولا ألم بشيء من معنى قوله ثقة أن ستمار الدال على مثل ما دل عليه رأي عين بل هذا أصرح في الدلالة؛ لأن قربها بحيث ترى أنها هو للثقة بالميرة، والثقة لاعتياد ذلك، وكونه معتادا يدل على كمال الشجاعة والجراءة على القتل، فكلا المعنيين يؤكد المقصود الذي هو الوصف بالشجاعة ويفيده، واعترض قول المصنف أن أبا تمام لم يلم بمعنى رأي عين بأن قوله ظللت بعقبان طير، يفيد قرب الطير من الأعلام ولذلك وقع ظلها عليها، إذ لو بعدت عن الجيش ما وقع ظلها على الرايات، ورد بأن وقوع الظل لا يستلزم القرب بدليل أن الظل للطير يمر بالأرض أو غيرها ويحسن، وإن كان الطير في الجو بحيث لا يرى.

  والحق أن وقوع الظل لا يستلزم القرب كما قيل: لصحة أن يبعد الطير في الجو ويظهر ظله، وأما عدم استلزامه للرؤية فمحل نظر؛ لأن الظل يضمحل بالبعد الكثير الذي يوجب عدم الرؤية؛ ولذلك لم تحفظ رؤية الظل من غير رؤية صاحبه.