التخلص
  وأبو سعيد أشيب فلا يبقى فيه خير أو نحو هذا أمكن ما ادعى ما فيه من البرودة، فافهم.
  وقولنا: إن الاقتضاب مذهب العرب والمخضرمين لا يقتضي أن غيرهم لا يرتكبه تبعا لهم، بل يجوز أن يستعمله غيرهم تبعا لهم، كما وقع لأبي تمام في المثال، وليس منهم إذ هو من الشعراء الإسلامية في الدولة العباسية، فالمثال لا يجب أن يكون من العرب أو المخضرمين؛ لصحة عدم الاختصاص بهم، فلا يعترض بأن أبا تمام ليس منهم، إذ لم يدرك الجاهلية، فلا يكون من المخضرمين؛ لأن الاعتراض لا يرد إلا لو قال المصنف: الاقتضاب هو ما صدر من العرب والمخضرمين، فيفهم أن ما صدر من غيرهم ليس من الاقتضاب، ولم يقل المصنف ذلك، وإنما قال هو مذهب العرب والمخضرمين، ولا يلزم من كونه مذهبا لمن ذكر أن لا يصدر من غيرهم، فلا تختص التسمية بما صدر ممن ذكر، وقد خفي الفرق بين كونه مذهبا وكونه لا يصدر إلا منهم فيلزم أن لا يسمى إلا إن صدر منهم على بعضهم، فجعل الأول نفس الثاني، واعترض بما ذكر وهو سهو.
  (ومنه) أي: ومن الاقتضاب الذي هو ابتداء المقصود بلا ربط وملاءمة بينه وبين طرف ما شيب به الكلام (ما) أي: انتقال (يقرب) أي: يشبه (من التخلص) الاصطلاحي، وهو الانتقال على وجه المناسبة، والربط المعنوي كما تقدم وذلك (كقولك بعد حمد لله) أى: بعد أن حمدت الله تعالى، وصليت على رسوله ﷺ مثلا (أما بعد) كذا وكذا، وصح فيه شائبة من المناسبة، وهو اقتضاب من جهة أنه انتقال من الحمد والثناء إلى كلام آخر بلا ربط معنوي ولا ملاءمة بين الطرفين، ووجه وجود شيء من شائبة المناسبة فيه أنه لم يؤت معه بالكلام الثاني فجأة كائنة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بين الطرفين أي: طرف الابتداء الكائن لما بعده، وطرف الانتهاء الكائن لما قبله، بل قصد نوع من الربط على معنى، مهما يكن من شيء بعد حمد الله والثناء فإنه كان كذا وكذا.