مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الانتهاء

صفحة 715 - الجزء 2

  من التقصير يعود إلى مجموع الكلام بالقبول والمدح، وإلا كان الأمر على العكس أي: وإن لم يكن الانتهاء حسنا مجه السامع وأعرض عنه وذمه، وذلك مما قد يعود على مجموع الكلام بالذم؛ لأنه ربما أنسى محاسنه السابقة قبل الانتهاء، فيعمه الذم ويرمى إلى الوراء، ويكون عند السامع مما ينبذ بالعراء، ومن المعلوم في المذوقات أن آخر الطعم إن كان لذيذا أنسى مرارته الأولى، وإن كان مرا أنسى حلاوته الأولى؛ فالانتهاء الحسن (كقوله) أي: كقول أبي نواس (وإني جدير)⁣(⁣١) أي: حقيق (إذ بلغتك) أي: وصلت إليك بمدحي (بالمنى) أي: بما أتمنى، وهو متعلق بجدير أي: إني جدير بالفوز بالمنى منك حين بلغتك (وأنت بما أملت) أي: رجوت (منك جدير) لكرمك (فإن تولني) أي: تعطني (منك الجميل) أي: الإحسان والإفضال (فأهله) أي: فأنت أهل لإعطاء ذلك الجميل وذلك الإحسان (وإلا) أي: وإن لم تولني الجميل (فإني) لا أجد في نفسي عليك، ولكنى (عاذر) لك بحملك على أن ذلك لعذر؛ كعدم تيسر المعطى في الوقت، أو لتقديم من لا يعذر بالعطاء (و) إني (شكور) لك ما صدر منك من غير الإعطاء، وهو إصغاؤك لمدحي، فإن ذلك من المنة على أو شكور لك الإعطاء السابق، ولا يمنعني من شكر السابق عدم تيسر اللاحق، ومن أحسنه قوله أيضا للمأمون:

  فبقيت للعلم الذي تهدى له ... وتقاعست عن يومك الأيام⁣(⁣٢)

  وكذا قول أبي تمام في خاتمة قصيدة فتح عمورية:

  إن كان بين صروف الدهر من رحم ... موصولة أو ذمام غير مقتضب

  فبين أيامك اللاتي نصرت بها ... وبين أيام بدر أقرب النسب

  أبقت بنى الأصفر الممراض كاسمهم ... صفر الوجوه وجلت أوجه العرب⁣(⁣٣)


(١) البيت لأبى نواس، انظر عقود الجمان (٢/ ١٤٩)، والإشارات (٣٢٤)، والإيضاح (٣٦٦).

(٢) لأبى نواس فى خاتمة مدح المأمون، وهو فى شرح المرشدى (٢/ ١٧٩)، لكن روايته (بالواو) مكان (الفاء).

(٣) ديوان أبى تمام (١/ ٢١)، ط دار الكتب العلمية.