مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(أحوال الإسناد الخبرى)

صفحة 155 - الجزء 1

  بهما لتنزيله منزلة الجاهل، ولا يكون إيراد الكلام حينئذ خاليا عن الفائدة المقصودة للعقلاء فقال:

  (وقد ينزل العالم) أى: وقد ينزل المتكلم مخاطبة العالم (بهما) أى: بفائدة الخبر التى هى مدلوله، وبلازمها الذى هو كون المتكلم عالما بتلك الفائدة (منزلة الجاهل) بهما فيلقى إليه الكلام كما يلقى للجاهل المستفيد تنبيها على أنه هو والجاهل سواء (لعدم جريه على موجب العلم) بالفائدتين، فإن فائدة العلم العمل بمقتضاه، وبذلك تكون له مزية على الجهل، فيكون ذلك الإلقاء كصريح التعبير والتوبيخ على عدم العمل بموجب العلم، فيقال مثلا لتارك الصلاة: الصلاة واجبة يا هذا، وإن كان عالما بوجوبها إيماء إلى أنه لا يتصور تركها إلا من الجاهل بالوجوب، وإشارة إلى أنه هو والجاهل سواء، ففى ذلك من التوبيخ ما لا يخفى، هذا فى تنزيل العالم بالفائدة منزلة الجاهل بها، وهو الأكثر استعمالا، وقد ينزل العالم باللازم منزلة الجاهل، كما إذا آذاك إنسان إذ ترى أنه لا يباشر به إلا من يعتقد مؤذيه كفره ولا يعلم الله ورسوله فتقول تنزيلا له منزلة من اعتقد جهلك بالله ورسوله: الله ربنا ومحمد رسولنا؛ لعدم جريه على موجب علمه بأنك عالم أن الله رب العالمين، ومحمدا رسوله، ولو قلت فى هذا المقام: «أنا مسلم» كان مثالا لتنزيل العالم بالفائدة منزلة الجاهل، كما لا يخفى، وقد ورد كثيرا تنزيل العالم بالشيء منزلة الجاهل به، ولو لم يكن ذلك الشيء فائدة الخبر، ولا لازمها لاعتبارات خطابية مرجعها إلى التسوية بينه وبين الجاهل تعبيرا له وتقبيحا لحاله، وذلك كقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}⁣(⁣١) ففى هذا الكلام إثبات العلم لأهل الكتاب بأن لا ثواب لمن اشتراه، ولما ارتكبوه نزلوا منزلة من جهل، فنفى عنهم العلة مطلقا أو علمهم المخصوص فى قوله تعالى: {وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}⁣(⁣٢) تعبيرا لهم، وليس فى هذا الخطاب إلقاء كلام مضمنه أن


(١) البقرة: ١٠٢.

(٢) البقرة: ١٠٢.